فيلادلفيا - عبدالمحسن المطيري:
منذ فيلم «أوديسا الفضاء 2001» حتى السنوات الأخيرة، عودتنا السينما الأمريكية على تقديم أفلام الخيال العلمي بشكل متكلف، متوقع، مليء بالمؤثرات البصرية، لا يمكن مزجه بسياق واقعي حديث.. والأهم انعدام عوامل التشويق، الغموض، والنهايات المفتوحة.
«Arrival» يقدم نفسه كواحد من أفضل أفلام الخيال العلمي التي أنتجت في السنوات الأخيرة، وربما نقول في العقود الأخيرة، فلن تجد فيلمًا يتعامل مع واقعية حدث التواصل مع المخلوقات الفضائية بشكل قريب من الواقع، ويسير من الناحية العلمية التي من الممكن أن نتعامل معها عندما نشاهد الفيلم.
وتحكي قصة الفيلم بشكل مبسط استقبال كوكب الأرض بشكل مفاجئ 8 مركبات فضائية قادمة من الفضاء، ويتم التواصل مع فريق من العلماء والخبراء في عالم اللغات من أجل فك لغز تلك المركبات التي تنتشر حول العالم.
الدكتورة لويس نعيش معها مراحل فك الرموز واللغات المعقدة والغريبة على أهل الأرض من قِبل المخلوقات الفضائية، مع تفاعل مدهش ومؤثر بتاريخ الدكتورة مع طفلتها، الذي تم مزجه في السيناريو بشكل ليتداخل بين كل فترة من فترات الفيلم العصيبة؛ لنعيش لحظات الأم العالمة مع طفلتها.
يقدم الفيلم نفسه كنموذج مثالي للغاية لفيلم يجعلك تعيش الحدث بلحظاته، وتصدق ما تراه من خلال التصوير الممزوج بين الأسلوب الوثائقي والسينمائي. تركيب الحدث الأهم وهو مشاهدة المركبات الفضائية كان ذكيًّا من مخرج الفيلم؛ إذ صنع لنا مقدمات تجعل للحدث هيبته، وتخلق جوًّا من الرعب النفسي، والأثر الذهني العصيب الذي سيواجهه المشاهد ترقبًا لمشاهدة تلك المركبات الغريبة، والمعقدة، التي قد تتسبب في حرب نووية بين البشر والمخلوقات الفضائية.
نشاهد في الفيلم قبل أن نعيش تفاصيل التعامل مع المخلوقات الفضائية حالة من الرعب تنتشر بين البشر، ومشاهد قريبة من وصف يوم القيامة بين الناس؛ إذ الكل مرتبك وخائف، والجميع يهرب إلى اللامفر، في تنفيذ سينمائي مدهش ومقنع للغاية، والأهم خالٍ من المبالغات والمؤثرات البصرية التي لا معنى لها. ومشاهد تصوير الأخبار في القنوات الفضائية كانت مقنعة وقريبة من التنفيذ الجيد لحالة نايت شاميلان في فيلم «Signs».
تصوير الطائرات المقاتلة لسلاح الجو الأمريكي كان فخمًا لدرجة أنك لا تصدق أنه مجرد مؤثرات بصرية، كذلك تصوير السفن البحرية الحربية الصينية المحيطة بالمخلوقات خلق بيئة عالمية للفيلم مخالفة لعقيدة هوليود التي تجعل من الجيش الأمريكي والبنتاجون فقط هم من سينقذ العالم من الهجوم الفضائي.
علاوة على جمالية التنفيذ البصرية والتصوير الواقعي، واستخدام الصوت لأهداف تخدم واقع الفيلم وسياقه المخيف والمذهل في نفس الوقت، يقدم الفيلم نفسه بسيناريو معقد، ولكن ليس لدرجة الغموض المربك، قصة عاطفية ولكن بخلاف الأسلوب التقليدي الساذج الذي نراه دائمًا في أفلام الخيال العلمي على شاكلة أفلام بروس وليز وغيرها.
ويقدم الفيلم جمالية في الأداء التمثيلي لكل أفراد الطاقم على رأسهم آمي آدمز التي تهدي لنا دورًا عميقًا مليئًا بالعتمة الساكلوجية، والخلفية الكئيبة التي تغلف حياتها في الماضي، وتشكل تهديدًا حقيقيًّا على مستقبلها.
ونجد الصاعد جيمي رنر يكمل مع آمي ثنائية متينة في الفيلم، ولا ننسى الممثل صاحب الحضور الفخم دائمًا فوريست وكتر. نضيف على دور التمثيل في إضافة عنصر مكتمل آخر للفيلم، لا بد من الإشارة إلى حركة كاميرا الرائع بروفاند يانغ التي يستحق عليها ترشيحات هذا العام التي سينالها بكل جدارة.
من أفضل أفلام الخيال العلمي التي أنتجتها هوليود هذا العام. فمع هذا الفيلم لن ترى المؤثرات البصرية التي تفسد عليك واقع وسياق الفيلم بشكله المقبول، وستجد مدخلاً علميًّا، يمكن أن يكون مرشدًا لك لكي تستمتع بالمشاهدة بأقصى حالة واقعية ممكنة من الناحية العلمية.
دعونا نعتبر هذا الفيلم حالة متعة، مغلفة بجانب علمي تثقيفي، مع تصوير سينمائي واقعي غير معتاد من هوليود، من حالة من التنفيذ التصويري والتقني المدهش، الذي سينقلك لعالم التواصل مع الآخر بشكل لم نجربه في فيلم آخر، على الأقل بشكله الواقعي والمذهل في فيلم «الواصلون».