د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
* * تداولنا صغارًا قصة أبٍ يشجع ناديًا غير الذي يشجعه ابنُه، ولأنه لا يعرف القراءة فقد غضب حين رأى كتابةً على جدار بيته خالها قدحًا في فريقه ومدحًا للفريق الآخر وجزم بأن ابنه كاتبُها فضربه ثم تبين له أنها عبارة لا شأن لها بناديي النجمة والعربي اللذين يميلان إليهما متنافرَين عند فوز أحدهما وخسارة الآخر.
* * ربما كانت طرفةً لكنها ذات دلالة على ما تفرقه الرياضة من ودٍ بين أهل البيت الواحد والحي الواحد والمدينة الواحدة، وتواصلت فتعادى كثيرون بسبب اختلاف ميولهم الكُروية، وتمادى آخرون في اللجاج والاحتجاج، وما نزال نشهد مسارح الردح في كل مناسبة رياضية وعند بروز قرار رياضي، وترعى البطولةَ فيه وسائطُ الاتصال التقليدي والرقمي.
* * ويذكر صاحبكم من تجربته المتواضعة في النشاط الثقافي بناديي مدينته عنيزة أنه من القلة الذِّين شاركوا في الناديين معًا دون أن يستجيب لشروط اللعبة الرياضية التي تعتمد على مبدأ «إن لم تكن معي فأنت ضدي»، وما يزال يستعيد عتب بعضهم عليه لوجوده في نادٍ غيرِ ناديه عند انتقاله بينهما.
* * كان مساء الخميس الفائت نقطةَ تحولٍ مهمةً في مسيرة التنافس السلبي حين بادر رئيس النادي العربي «سابقًا» الأستاذ أحمد التركي فنظم ليلة وفاء لقدامى الناديين ومثَّلت احتفالًا مميزًا جمع ناديين عريقين في التنافس المفضي «أحيانًا» إلى التدابر وربما التباغض؛ فاختلطت الألوان الحمراء والخضراء، والمسؤولون السابقون واللاحقون، واللاعبون المكتهلون والناشئون، ولأن الدافعية ذاتيةٌ والإحساس عالٍ بجمال التآلف وتجديد التعارف فقد امتلأت القاعة الكبرى بمركز الملك فهد الحضاري بعنيزة بما لم يتوقعه أكثر المتفائلين.
* * حضر الناس من عنيزة وجوارها ومن القصيم وخارجه واستمتعوا بالمحبة تسود والابتسامة تقود، وتمنوا دمج الناديين كي يحظيا بحضور أقوى، وليت الفكرة تتحقق؛ فأندية «المنافسة» يُفترض تقليلُها أما أندية «الممارسة» فلتزد وفقًا لما يستوعبه التنظيم السكاني للمدن والمحافظات والمراكز.
* * لعل هذه التجربة الرائدة تكون أنموذجًا لبقية الأندية، وليتها تمتدُّ لتشعل في الوطن روح الوحدة العضوية بين القبائل والمناطق والمذاهب والأدلجات؛ فلا يبقى تصنيفٌ يستثني تصنيفًا ولا منطقٌ يقلل من منطقة ولا إرثٌ يعيق فرضًا أو يصادر أرضاً.
* * الوطن لا يحتملُ عقوق أبنائه ولا مكايد أعدائه ولا يقبل عنصريًا؛ إقليميًا كان أم طائفيًا، ولن يرتضي وصيًا يُملي ولا «حكواتيًا» يُصلي، وفي أزمنة التحدي يبرز التصدي ويتقزم التعدي كي يمنع التردي؛ فكذا يبقى الوطن وبذا ترتسم المواطنة.
* * شكرًا للصديقين أبي وليد التركي واللواء الدكتور محمد المرعول ومن عمل معهما وساندهما ولمحافظ عنيزة الأستاذ الصديق عبدالرحمن السليم، وربما رأوا في نجاح هذه التجربة ما يقودهم إلى تكرارها ونشرها وفاءً لمن بذل واحتواءً لما اختل ولأمًا لما تمزق وتفرق.
** الوطنُ الأمنُ أمانة.