عبدالعزيز السماري
من أهم شروط التقشف الاقتصادي أن يكون منطقياً في تطبيقاته، وأن لا يكون حصراً على طبقات عن أخرى. ويذكر التاريخ أن كينز الشهير قد هاجم سياسة التقشف في الاقتصاد، لأن مضمونها رسالة سلبية موجهة ضد النمو، وأن الحل هو التنمية الاقتصادية الشاملة، وقد وقف ضد فرض سياسة التقشف ضد الطبقات المنتجة، وطالب برفع معدلات النمو عوضاً عن سحق الحلقات الأضعف في المجتمعات.
في المصانع أو الشركات المثقلة بالمصاريف غير الضرورية، أيضاً لا يمكن أن تنجح سياسة التقشف إذا استثنت الصرف اللامحدود للطبقات الإدارية المتنفذة، وتفشل إذا اكتفت الإدارة المتضخمة والمترهلة بتخفيض رواتب العاملين في المصنع، وذلك لأن المنطقين الاقتصادي والسياسي لا يسمحان بذلك، فالإدارة بذلك لا توجه فقط رسالة مضمونها التوقف عن الإنتاج والإبداع، ولكن تضعهم بصورة غير مباشرة في المكان الخطأ في سياسة المحاسبة للأخطاء الكارثية في الإنفاق العام.
التقشف هو نقيض التبذير، ويجب أن يعني فقط الرؤية التنظيمية لمكافحة أوجه التبذير والإسراف في النظام، ومن المفترض أن لا تصل خطواته إلى دخل الطبقات المنتجة، وأن لا يكونوا ضحية لسياسة التقشف، وإن حدث ذلك فهي رسالة في منتهى السلبية للأجيال القادمة، كما أنه يعد خطة مضادة للنمو، فالبلاد بحاجة للنمو الاقتصادي؛ والتقشف كما لاحظ كينز وغيره هو ضد النمو، كذلك ما يجب ملاحظته أيضاً أنه لا يمكن بدء رؤية أو إصلاح مبني على وهم «أن رواتب العاملين هي مصدر التبذير والإسراف الحكومي، وذلك ليس صحيحاً».
العاقبة الأهم لسياسة فرض التقشف هي فقدان الطاقة الإنتاجية، وبالتالي ضمور المهارات الفردية بسبب استمرار البطالة بين الشباب، وهو ما ظهر بوضوح في اليونان، والتي عانت أكثر بسبب سياسة التقشف، ولهذه الأسباب لا تنجح مثل هذه الخطوات إذا كانت موجهة ضد الطبقات العاملة، ولكن يكون للتقشف تأثيرات إيجابية جداً إذا تم توجيهه ضد هدر الفساد المالي والصرف غير المبرر والتبذير في القطاعات غير المنتجة، ولا نحتاج إلى ذكرها في هذه العجالة، لأنها ثقافة عامة، ويعرفها الجميع.
التقشف يجب أن يطال أولاً الدعم المالي للفئات غير العاملة، وثانياً العمل على التقليل من المصروفات الفندقية غير الضرورية، ثم إصلاح لوائح الرواتب الحكومية، وربط الإنتاجية بالراتب، وسيكون لذلك أثراً حميداً، لما فيه من رسائل إيجابية للطبقات العاملة.
التقشف هو نقيض التبذير، وليس الإنتاج، ويدرك الجميع حجم الألم المصاحب لتخفيض نفقات التبذير والإسراف الذي في غير محله، فهو قرار صعب إذا وصل إلى رفاهية بعض المستفيدين المتنفذين باختلاف طبقاتهم وفئاتهم، لذلك علينا أن نفكر بعقلانية ووطنية أكثر، قبل ضرب مصالح العاملين في المجتمع، والذين يعتبرون النواة للإنتاج والبنية الاقتصادية في البلاد.
ختاماً قبل الاستمرار في هذا الاتجاه من المفترض أن نقدم تعريفات اقتصادية واضحة للتقشف والتبذير والإسراف، وللإنفاق العام أيضاً، وذلك قبل أن نتمادي في المضي في طريق مجهول في اتجاه المستقبل، وعلينا أن نعي أن النقد الموجه للحكومة لا يعني نقد الدولة، وذلك لأن الحكومة تنظيم وزاري يجب أن تخضع قراراته للنقد والمراجعة، بينما تعني الدولة الوطن ما تعلمناه منذ الصغر، وهو أن نقف جميعاً صفاً واحداً، ومن دون استثناء لمواجهة أعدائه.
والله ولي التوفيق.