خالد الدلاك
برحيل الأمير تركي بن عبد العزيز -رحمه الله-، فإننا فجعنا وفقدنا رجلاً نادراً من الرجال، وقامة وهامة وشخصية فذة يصعب إنصافها ووصفها ومنحها ما تستحق من إشادة وثناء، فمن سنحت له الفرصة والتقى بسموه ودخل مجلسه، فإنه بلاشك لا يملك إلا الإعجاب والانبهار بهذا الأمير النبيل، صاحب العطاء بسخاء والتعامل بطيبة وتواضع ونقاء وبابتسامة وبراءة لا تفارق محياه، وتبعث الراحة والطمأنينة والسعادة في نفس من يجالسه ويراه، فمن نظرته تشعر بالحفاوة البالغة، ومن اهتمامه وحرصه تشعر أنك في منزلك وأنك تعرفه من أشهر عديدة وأعوام مديدة.
وأنك أيضاً أمام رجل مختلف عن كل الرجال، اللقاء به لا يمل بل ويبعث في النفس راحة وقبولاً من أول لقاء، فحفاوته وترحيبه بالجميع واحدة وبطريقة توحي لك أنّ اهتمامه بك وحدك، وأنك صاحب المكان ورب البيت وهو الضيف.
كل هذا عرفته عنه ولمسته منه من خلال تشرُّفي بالسلام عليه وحضور مجلسه العامر أكثر من مرة، بصحبة الصديق الأمير نواف بن محمد في كل زيارة لمصر العروبة، التي استضافت سموه فترة طويلة من حياته، كان خلاله أباً وأخاً لكل سعودي ومفرجاً لكربة كل محتاج ومعسر، هذا خلاف استقباله للوفود الرياضية السعودية وتكريم الجميع من لاعبين وإداريين وإعلاميين، واستضافتهم والاهتمام بهم حتى مغادرتهم، أما الذي لا أعرفه عنه وأسمع به من الناس ممن عرفوه في بداياته فحدث ولا حرج، فهو كما قالوا لنا صيته رائع وذائع بين الناس، وسحابة كرم ممطرة ومتواصلة في عطائها ودعمها، وتغنى بكرمه الشعار من خلال قصائد منظومة وأبيات منثورة تشيد بمكارم هذا الرجل، وخصاله ونبل أخلاقه وتواضعه وابتسامته التي لا تفارق محياه، وأعتقد أنهم لم يبالغوا عندما قالوا بأنه أطيب الطيبين وأكرم الأكرمين في دنيانا وبدون منّة، فلا يقابل سعودياً في الخارج إلا ويكرمه ويستضيفه ولا يرد محتاجاً ولا ينهر سائلاً، فيه من علامات الإمارة السمو والقيادة والريادة، اتفق الجميع ممن يعرفه على تقديره وحبه حيّاً والحزن والترحم عليه ميتاً.
كان رجل دولة ومسئولية ومؤسسة إنسانية خيرية يفوق كرمه ما في جيبه، لأنّ يده تسابق قلبه، فيمنح في أيام ما لا يمنح آخر في سنوات.
وسيصعب على من رافقه وعايشه نسيان وقفاته وكرمه، لأنه عاش لحظات سعادة معه، ولأنهم تعايشوا مع شخص نادر وغير عادي بمقدوره إسعاد الجميع، لأنّ قلبه دليله لعطائه وحبه طريقه لبذله وسخائه.
رحم الله غصناً مثمراً انقطع وسقط، بعد أن كان شجرة عملاقة تُعَد ظلاً وارفاً وعطاءً سخياً وقلباً نقياً، قدم الحب والجاه للناس وكسب احترامهم وحبهم، وغفر الله لك يا رمزاً اهتزت وحزنت لموته بساتين الفرح والسعادة ونكست لفراقه أعلام العز والسيادة.
أبا خالد
إنّ القلب على فراقكم ليحزن والعين لتدمع، ولا نملك إلا أن ندعو الله العلي القدير، أن يثبتكم عند السؤال ويجعل قبركم روضة من رياض الجنة، وأن يجعل ما أصابكم كفارة وطهوراً إن شاء الله، ولا نقول في الختام إلاّ ما يرضي الله {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }، نافذ فينا حكمه قاضٍ فينا أمره، له ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بحساب، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.