د. حسن بن فهد الهويمل
يُضَخِّم [الليبراليون] و[العلمانيون] و[المستغربون] فضاضة الإنسان العربي، ووضاعته، وجهله، ودمويته، وسوء تصرفه، وعجزه عن أخذ المستجدات بحقها.
ويودن لو أن العقلية الغربية أتت العاطفة العربية الهوجاء، تَنْقُصُها من أطرافها.
فما عاد بالإمكان إصلاح ما أفسدته السياسات الانقلابية الرعناء، منذ ثورة [حسني الزعيم]. كما لم يعد هناك قدرة على حسن التعامل مع الغرب منذ [حملة نابليون].
واليأس، والإحباط، والقنوط الجاثمة على صدر هذا الثالوث المتعنت حَوَّلَهُ إلى خطاب [حُطَيْيءٍ] لجلد الذات.
الغربُ بإمكاناته المذهلة حقًا، وبإعلامه الذي يجري في الجسم العربي جريان الدم في الشرايين، وبقوته الرادعة، ولعبه التي أدركت ما تريد، تَحَوَّل إلى صنم يتمسح به البله، والمغفلون، والمبهورون. حتى أنهم لا يزايدون على [نهاية التاريخ] و[الإنسان الأخير].
ولا يجدون معرة من الإمساك بذيله، والسير وراءه حيث يتجه. بل نرى، ونسمع من يدعو إلى التوجه إليه، واستدبار ما سواه.
وأول الغاوين [طه حسين] في كتابه الضجة [مستقبل الثقافة في مصر]. لقد تلقفه المستغربون، كما لو كان تنزيلًا من التنزيل. فيما تصدى له العُروبيون، وكأنه الضلال المبين.
[طه حسين] ومن هم على شاكلته من جيل العمالقة، يمارسون التحريض على الاستغراب متضلعين من العلم، متوسعين في الثقافة، قادرين على مقارعة الحجة بالحجة، ومنازلة الرأي بالرأي.
أما طلائع هذا الزمان فأوباش يهرفون بما لا يعرفون. ويقولون ما لا يفعلون، وتعالقهم مع المستجد تبعية مذلة، يأخذون منه ما لا ينفعهم. ويتهافتون على ما يضرهم، يقضمون القشور، وينبذون اللباب. وإذ قيل لهم تعالوا إلى كلمة سواء، ولَّوا مدبرين.
ما أود معرفته في ظل هذا التهافت [حقيقة الغرب]. لقد نجح في إدارة الإمكانات، لا في احتقارها. وفي استغلال المواهب لا في كبتها، إنه يعرف أن التميز ليس حكرًا على جنس من الأجناس، وإنما هو في حسن استثمار الإمكانات، وحسن إدارتها، وتهيئة الأجواء الملائمة لها.
ونحن حين نسلم بدعوى [الإنسان الأخير] كما يدعيه الرجل الأبيض، نعطل قدراتنا، ونصدق اطلاقات الإرجاف، والتخويف.
دعونا نموضع [الغرب] بدل أن نسلم له، ودعونا نتعرف على خصائصه، وسماته، وطرائق إدارته للأزمات.
لم يكن الغرب رجلًا أبيض نقي الأعراق. أمريكا التي أدارت الرؤوس بكؤوس الادعاء العريض، وبهرت النفوس بالمنجزات خليطٌ من أجناس شتى.
[الهنود الحمر] السكان الأصليون، فاضت بذمهم أوعية التجهيل، والسخرية، ووصفهم المهاجرون المغتصبون بالتوحش، وقالوا عنهم ما لم يقله [مالك] في الخمر.
وصَدَّق البُله، والأوباش تلك الإطلاقات الكاذبة. حتى لكأن الهنود الحمر وحوش لم يتأهلوا، وجهلة لم يتعلموا، وجنس ليس لهم من الجنس البشري إلا الأجسام.
الذين يتحدثون عن الغرب لا يُقَرِّبُونَه، ولا يُقَارِبُونه للاستفادة من محاسن عمله، واقتناص براعاته، ومهاراته، وقيمه.
إنهم بالتعظيم، والتصنيم، والانبهار يُخذِّلون، ويخبلون، ويُحْبِطون. ثم لا يقدمون حَلًّا، ولا يُسْدون نصيحة.
وإذا قيل لهم اربعوا على أنفسكم أخذتهم العزة بالإثم، فحسبهم مزبلة التاريخ.
أمريكا تفقد المواقف، والمبادئ بممارسات لعبها، فهي تصنع اللعب، وتنفذها، وتدعم أعداءها لتطويع أصدقائها، وتفتري الكذب، لتشرعن التدخلات العسكرية، وتصنع الانقلابات كلما أدى العميل دورهُ، أو عندما يخيب ظنها، ولم ينهض باللعبة التي أعد من أجلها.
وعندما سئل أحد الساسة: ما الدولة التي لا يكون فيها انقلاب؟.
قال: الدولة التي ليس فيها سفارة أمريكية. الغرب كله يضحي بالعهود، والمواثيق كلما لاحت له مصلحة عاجلة، أو حينما يريد أن يسبق خصمه إلى الغنيمة.
فهل يستحق عالمٌ هذه أخلاقه وتلك طرائق فعله، أن يكون قدوة، أو مثلًا أعلى. الفكر السياسي الإسلامي يقوم على المبادئ، والأخلاق، في نصوصه، ومقاصده، ولا عبرة للممارسات الخاطئة.
وفوق هذا فقد فشلت أمريكا بوصفها رأس الغرب في حسم القضايا التي خاضتها في مناطق كثيرة في العالم لصالحها، على الرغم من أنها فقدت في سبيل ذلك شطرًا من معداتها، ورجالاتها، ومدخراتها، وسمعتها.
لقد فشلت في [فيتنام]، وفي [أفغانستان]، وفي [العراق]. ولما تزل تراوح في مكانها حول [سوريا]، و[اليمن]، و[ليبيا].
صحيح أنها أنهكت طرائدها، وأعادت كثيرًا من دول العالم إلى مربعاتها الأولى، لتبدأ رحلة العودة، بعد ما تتمكن من أخذ أنفاسها.
لقد تحملت شطرًا من أوزار الأزمات التي خلقتها، ورعتها في عالمنا العربي والإسلامي.
وهي ماضية في تنفيذ خرائط الطريق التي أحكم الصهاينة رسمها، وهي بتلك المغامرات المحفوفة بالمخاطر تقترف الظلم، وتمعن في الخطيئات. والله حرم الظلم على نفسه، وجعله بين مخلوقاته محرمًا، وتوعد بنصر المظلوم، ولو بعد حين.
وسنن الله التي لا تتبدل، ولا تتحول تقوم على تدمير الدولة الظالمة، وإن كانت مسلمة، ونصر الدولة العادلة، وإن كانت كافرة.
الغرب بما يمارسه من تدخلات، لا يريد من ورائها إصلاح ذات البين. إنه يمارس الظلم عمدًا، ومع سبق الإصرار.
يتبع…