أ.د.عثمان بن صالح العامر
هذا هو شعار المبادرة الجميلة التي انبرى لها جمعٌ من شباب حائل الذين يعشقون المكان، ويعرفون قيمة ومزية وخاصية المتنزهات والبراري القريبة من مدينتهم المحبوبة «حائل، أو حايل على خلاف بين اللغويين والمؤرِّخين» والمحيطة بها من جميع الجهات الأربع.
* تفاعل الكل، الصغير والكبير، الأفراد والعوائل مع هذه المبادرة الرائعة التي تهدف إلى تنظيف المكان والمحافظة على البيئة، فكان شعارها وفِعالُ المنخرطين فيها تطوعاً ومحبة ووفاءً حديث المجالس، وكلام الناس، والموضوع الأساس لعدد من خطباء الجوامع هذا الأسبوع.
* عُرف عنا نحن الحائليين صفة الكرم والجود، وقليل ما يُذكر الوفاء والتعاون والوصال في الشخصية الحائلية، خاصة ممن لم يعرفوا حائل الإنسان - المكان ولم يعيشوا معنا يوماً ما بين جنبات أجا وسلمى ، مع أنّ الوفاء يتجاوز في الشخصية الحائلية الإنسان، ليحل في ذات المكان الذي هو يسكن بين الحنايا ويستقر في الوجدان، واسألوا إن شئتم عشّاق البر وهواة الوديان.
* لقد حبا الله عزّ وجلّ حائل بجمال المكان ودفئه وروعة تكوينه وتضاريسه، فأَلِفه إنسان هذه الأرض وأحس بمبادلته له مشاعر العشق والحنين، حتى أضحى يأنس فيه ويستريح ويشتد حنينه إليه حين يفارقه لسبب أو لآخر، وفي السنوات الأخيرة صار جمعٌ من جيل الصغار لا يعرف للمكان قدره ولا للبيئة حقها، فيرمي بالمخلّفات ولا يكترث بالنفايات - أعزّكم الله - الأمر الذي أدى إلى تأذي مرتاديه من تشوهات تخدش روعة الجلوس في تلك البطحاء الحمراء الفريدة في شكلها الغريبة في تميز رائحتها، خاصة عندما يغسلها المطر وتزدان بالعشب، ومع كثرة التشكي والتباكي على بكرية الوديان والشعاب وجمالية السفوح والهضاب ونقاء وصفاء الجو الخلاب، كان العزم الشبابي التواق إلى إعادة هذه المتنزهات كما كانت من قبل ، فهبّت شريحة عريضة للمشاركة والمساعدة والتشجيع والمباركة وصار المكان اليوم أحسن مما كان، وجزماً ستعود جميع متنزهاتنا كما عهدناها من قبل، بل أجمل وأنظف.
* لقد سطر شبابنا من خلال هذه المبادرة قيمة الوفاء للمكان الذي يعيشون فيه، وحتى نحافظ على هذا المنجز لا بد أن نظل أوفياء بصدق للطبيعة التي حبانا الله إياها، فهي من نقاط القوة التي تتميز بها حائل، وهذا يستلزم أن نتواصى ويذكِّر بعضنا بعضاً بالواجب الملقى على عاتقه إزاء البيئة، التي هي سبب من أسباب أنس الإنسان وسعادته حين يخرج للبر.
* إن كان لي من اقتراح في هذا الباب فإنني أتطلع إلى أن يتوج هذا الجهد المبارك بتخليد أسماء أصحاب الفكرة والمشاركين فيها والمسوّقين لها، الذين كرمهم وشكرهم وبارك خطواتهم نهاية الأسبوع الماضي صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن أمير منطقة حائل، وذلك بأن توضع في مدخل أحد المتنزّهات المشهورة القريبة - وليكن مشار مثلاً - لوحة شرف لهؤلاء الثلة المبادرة، وبجوارها ميثاق أدبي والتزام حائلي باحترام الطبيعة وعدم المساس بها أو الإساءة لها، والمحافظة على نظافة المكان، يصاغ هذا الميثاق - الذي يعلن الصداقة الحقيقية مع الطبيعة والبيئة الحائلية - بصياغة جماعية تأخذ صبغة الإلزام الاختياري، وفي آخرها: «... وعلى ذلك أوقع»، وكل من وقع يوماً ما، لابد أن يذكّر نفسه بين الفينة والأخرى بما وقع عليه فيلتزم وينصح، ويكون في هذا الباب قدوة ومثالاً يحتذى في مجتمعه الصغير.
* إنّ مثل هذا السلوك الإيجابي يُعدُّ لوناً من ألوان الوفاء للوطن ، واحترام مقدراته ، والمحافظة على ثرواته وممتلكاته، ومتى قام كلٌ منا بواجبه إزاء مكانه الذي يقطنه فسنكتشف في مناطق بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية ثروات حقيقية كانت غائبة عن أنظارنا وهي متاحة لنا وقريبة منا، وقد يتطلع لرؤيتها والتمتع بمزاياها من لم يرَهَا من قبل، فالإلف للشيء قد يكون غطاءً ثقيلاً على أعيننا يحرمنا لذة التمتع بالمكان الذي يُدخل البهجة والسرور على النفس. دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام .