د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
ملياردير صوت له الفقراء، وظهرت صوره على أغلفة أشهر المجلات وانتخبه المتدينون، يكره الأجانب وصرح مراراً وعلناً بطرد المهاجرين، ومع ذلك دعمه كثير منهم. هذا وصف وجيز لما يمكن تسميتها بظاهرة ترمب الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية.
ولم يسبق أن وقف الزخم الإعلامي، وتركز دعم الشركات وعالم المال، وتعززت مؤازرة هوليود بكافة ممثليها، وخرجت دعايات المؤسسة الرياضية بكافة نجومها خلف مرشح مثلما وقفت خلف السيدة هيلاري كلينتون. ورغم ذلك خسرت وبفارق كبير نسبياً مخالفة بذلك كل التوقعات واستطلاعات الرأي. فهذه هي أمريكا بلاد المفاجآت.
وأخفى الصخب الإعلامي المدوي تحته الكثير من الحقائق التي كانت تفاعلت تحت السطح بهدوء في المجتمع الأمريكي لتقلب التوقعات جميعها وتدفع لمثل هذا التوجه المفاجئ. وأتى ذلك بانتخاب دونالد ترمب في عملية تصويت هي ضد المؤسسة الأمريكية المسيطرة ممثلة في هيلاري كلينتون أكثر منها رغبة في تسليم شخص مثل ترمب مفتاح الترسانة النووية الأمريكية.
وقد هز هذا التغيير معظم حلفاء المؤسسة الأمريكية الحاكمة في العالم. فما هي أهم العوامل التي أتت بهذا الرئيس على رأس السلطة التنفيذية في أكبر دولة في العالم؟
لعل من أهم هذه العوامل تآكل الثقة بين الشعب الأمريكي وحكوماته المتعاقبة، وإحساس الشعب بشكل متزايد بأن الحكومات الأمريكية المتعاقبة كذبت عليهم وأخفت الكثير من الحقائق، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بحروب أمريكا في الخارج ومنها حرب العراق التي اتضح أنها شنت بناءً على ادعاءات باطلة بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، ثم اتضح فيما بعد أن ذلك لم يكن سوى أكاذيب مفبركة دعمها الإعلام.
ويعتقد قطاع كبير من الأمريكيين أن هذه الحرب كلفت الخزينة الأمريكية مئات مليارات الدولارات التي اقتطعت من خدمات المجتمع الأمريكي، وذهبت لجيوب شركات السلاح الأمريكية دونما وجه حق.
أما العامل الآخر فهو فقدان الثقة شبه التام من قبل مختلف طبقات المجتمع الأمريكي في الإعلام الأمريكي الذي تسيطر عليه بشكل شبه تام قلة من النافذين من أصحاب المال جلهم من اليهود، فهم يرون أن هذا الإعلام يستغفلهم. وقد كثف هذا الإعلام من تخويفه للمجتمع الأمريكي من المسلمين والمهاجرين مما خلق مداً قوياً من الإسلام فوبيا هدفه تمرير مزيد من الإجراءات الحمائية التي قيدت كثير من حريات المجتمع الأمريكي التي كفلتها التعديلات الدستورية العشر التي تعتبر الركيزة المقدسة لحياة المجتمع الأمريكي.
وقد استفاد ترمب من حالة الفزع هذه من المسلمين واستغلها في حملته.
كتب بعض الأمريكيين عن ظاهرة ما يسمى «بتجييش الشرطة» وهي ظاهرة تتحدث عن رفع مستوى تسليح الشرطة كما ونوعاً لتتحول إلى ما يشبه الجيش الداخلي، وكذلك تغيير قواعد الاشتباك مع المشتبه بهم مما يسمح بإطلاق النار عند أدنى اشتباه، وخاصة في التعامل مع الأقليات ومع السود، وذلك بحجة مكافحة الإرهاب، وهذا ما أدى إلى تصاعد العنف بين السود ورجال الشرطة على خلفيات القتل شبه المجاني للمشتبه بهم. وقد تزايدت عمليات الهجوم المسلح على دوريات الشرطة في الآونة الأخيرة.
كما أن هناك عوامل اقتصادية لا تقل أهمية، من أهمها وقوف الحكومة الفيدرالية موقف المتفرج من إفلاس بعض الولايات والمدن الأمريكية كدترويت وكليفلاند التي كانت تعد من عصب الاقتصاد الأمريكي واتهام الصناعات الأمريكية بترحيل مصانعها لدول آسيا كالصين وفيتنام مما فاقم نسب البطالة التي زادت في بعض الولايات عن العشرة في المئة. وقد لا حظ الناخب الأمريكي أن المؤشرات الاقتصادية تتحسن قبيل العملية الانتخابية ثم لا تلبث أن تعود وتنتكس. ورغم تحسن هذه المؤشرات في نهاية عهد أوباما إلا أن ذلك لم يسعف كلينتون.
يعتقد كثير من الأمريكيين أن أمريكا بعد 11/9 لم تعد أمريكا التي يعرفونها كبلاد تحقيق الأحلام بتقييد الحريات وتضاؤل الفرص، ولذا رأوا في كلينتون امتداداً للوضع القائم، بينما وعدهم ترمب باستعادة أمريكا العظيمة وبمستقبل أفضل. فهي بعبارة أخرى ركزت على إنجازات الماضي بينما ركز هو على التغيير والمستقبل.
لهذه الأسباب وغيرها انتخب الأمريكيون ترمب.