عبد الله بن صالح العقيل
هو الشيخ محمد بن قرناس بن عبد الرحمن بن قرناس بن حمد بن علي بن محمد بن علي بن راشد الملقب (أبا الحصين).
والده الشيخ قرناس بن عبدالرحمن القرناس قاضي القصيم في وقته، وأخوه الشيخ صالح بن قرناس القرناس قاضي الرس وعنيزة. وهم من نسل محمد بن علي الذي قدم من عنيزة وسكن الرس في حدود عام 1110هـ على أقرب الأقوال. ثم تكاثرت ذريته في الرس منهم: العساف والعذل والقرناس والرشيد والحواس والحميد والغفيلي والعواجي والدليمان والصبي والعفيصان والرميح والعميل والمفيز والعضيب والعبيشي وغيرهم.
وصار منهم قضاة وعلماء في أنحاء كثيرة من بلادنا. أما أسرة القرناس في الرس فقد اشتهرت بقضاتها المشهورين وأولهم الشيخ قرناس بن عبد الرحمن كان في وقته قاضيًا للقصيم كله وكان حاكمًا عادلاً وفقيهًا وعالمًا، كما كان فارسًا وقائدًا شجاعًا له مواقف بطولية في حرب إبراهيم باشا عندما أغار على الرس. وكان من نسله مجموعة من الأبناء منهم القاضي والكاتب والوجيه.
ومن القضاة من آل قرناس الشيخ محمد المترجم له والشيخ صالح بن قرناس. ولد الشيخ محمد بن قرناس في الرس عام 1209هـ ونشأ في كنف والده الشيخ قرناس بين أخوته في بيت علم وتقوى وصلاح. قرأ الشيخ محمد على والده وغيره من علماء القصيم، كما حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب مع ضبطه وتجويده.
كما قرأ على الشيخ سليمان بن مقبل قاضي بريدة والشيخ علي آل محمد قاضي عنيزة، وعلى الشيخ عبدالله الخليفي من علماء البكيرية وتلميذ والده قرناس. وكان الشيخ محمد يراجع شيخه عبدالله عندما ولي قضاء الرس.
كما يرجح الشيخ البسام في كتابه (علماء نجد خلال ثمانية قرون 6-363) بأنه قد يكون رحل إلى عنيزة للقراءة عند الشيخ عبدالله أبا بطين عندما كان قاضيًا في القصيم.
وذكر الشيخ البسام أنه في عام 1234هـ حج الشيخ محمد القرناس إلى مكة المكرمة وبعد نهاية الحج جلس في مكة ودرس على علماء المسجد الحرام.
ثم رحل إلى المدينة المنورة وقرأ فيها على علماء الحديث وأجيز منهم بسند متصل. ثم عاد إلى الرس وكان يجلس عند والده للدرس وبعد أن ينتهي يجلس للطلاب ليعلمهم العلم الشرعي. حتى تخرج على يديه عدد كبير من الطلاب من أبرزهم أخوه الشيخ صالح بن قرناس والشيخ عبدالله بن صقيه والشيخ عبد العزيز بن رشيد وغيرهم.
وصفه الشيخ البسام (علماء نجد 6-364) فقال: «كان المترجم محمد القرناس ـ واسع الاطلاع، ورعًا زاهدًا مستقيم الديانة، وعلى جانب كبير من الأخلاق العالية، وله مكانة مرموقة بين الأهالي، محبوبًا لدى الخاص والعام، وكان صاحب غيرة على الإسلام ومحارمه».
كما ترجم له عثمان بن صالح القاضي في(روضة الناظرين 1 - 204) بدأها بقوله «هو العالم الجليل والشجاع الباسل الشيخ محمد بن قرناس.. « ثم قال: إنه نشأ بتربية أبيه أحسن تربية وقرأ القرآن وحفظه تجويدًا ثم حفظه عن ظهر قلب وشرع في طلب العلم بهمة ونشاط ومثابرة فقرأ على أبيه قرناس ولازمه التفسير الأصول والفروع والحديث حتى مات. وقرأ على مفتي نجد الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن بابطين ولازمه سنين، كما قرأ على عبدالله الفايز الخيل. كما قال عنه القاضي: «وله مكانة مرموقة بين الأهالي وعند الولاة ولكلمته نفوذ فهو محبوب لدى الخاص والعام.. وكان صاحب غيرة متى انتهكت المحارم وكان والده يستنيبه على القضاء متى غاب أو مرض وعلى الإمامة والخطابة في الجامع وكان حازمًا في كل شؤونه مثالاً للعدالة والنزاهة ظل قاضيًا بالرس إلى أن وافاه أجله المحتوم».
اجتهد الشيخ محمد القرناس في العلم والقضاء والفتوى حتى بلغ فيها شأنًا كبيرًا، وأدرك الكثير من العلم في الفقه وغيره من علوم الشرع، تولى قضاء الرس عام 1262هـ بعد وفاة والده.
كما كان له نشاط في التعليم والوعظ والإرشاد والفتوى وكان خطيبًا للمسجد الجامع في الرس بجانب القضاء.
وكانت مدة قضائه في الرس ثلاث عشرة سنة. وكان نزيها ذا خلق عالٍ ومروءة وعطف على الناس هكذا كانت سيرته حتى وفاته -رحمه الله-.
وذكر البسام بأنه تولى قضاء الرس بعده أخوه صالح بن قرناس. والشيخ محمد بن قرناس يعتبر من شعراء الرس الذين طرقوا الشعر الشعبي، وترجم له الاستاذ فهد بن منيع الرشيد في كتابه (شعراء الرس النبطيون) الطبعة الأولى 1385هـ (ص 38) وأورد له أربع قصائد شعرية.
الأولى تبدأ بقوله:
صاحبي غض الصبا به سهالة ملح
ابطخم التاجر الزين متلوح
والثانية مطلعها:
يا نور عيني صابني منك جاريح
والجرح ما يبريه غير الصدوقي
والثالثة يقول في أولها:
واحلو زعج الصوت مع ذاري الريح
حيث إن راع الصوت قلبه امغلي
والرابعة اشتهرت عند أهل السامري حيث يشدون بها في سمرهم وأفراحهم، ويروى لها قصة حب بينه وبين زوجته التي طلقها وأعادها في قصة طريفة، وهي قصيدة غزلية رقيقة المعاني يقول في مطلعها:
باح العزا والصبر يا مهجتي باح
واسترهقت عيني وعفت المراحي
ويقول فيها:
يا من يبشرني عسى باله انساح
عسى الغضب والغيض عن زيد راحي
يا زين كان إنك شفي بالإصلاح
اصلح ترى ود العرب بالصلاحي
والشيخ محمد بن قرناس له ذكر كثير في وثائق الرس في الكتابة والبيع والشراء والرهن وغيرها منها ما يلي:
- كتب بقلمه وثيقة وقف عبدالله المكفوت في نخله بعد وفاء دينه مائة وزنة تمر شقر مشاع وعشرة أصواع لقيمي بضحايا له ولوالديه وللصوّام في المسجد الجامع بالرس بشهادة عثمان الصالح وعبد العزيز بن عدامه وفهد الشبلي في شوال 1270هـ ونقله الكاتب إبراهيم الضويان (53-3).
- اشترى من باتل بن عامر قليبه التي بين قليب صقر وقليب الحمداني بثلاثين صاع منصوف حنطة وشعير بشهادة قدران بن إبراهيم الغريري وعمار بن مفلح بخط الكاتب محمد بن عبدالله القريان (57-3).
- اشترى من عمار بن مفلح نصيبه من قليب فلاح المعروفة بالرويضة بين قليب الدبيان وبين أرض النجاشي بمبلغ خمسة وعشرين ريالاً ساقطة من ذمته، في 24 ربيع الأول 1271هـ بشهادة سليمان العقل وحمد الزعاقي وكتبه محمد بن عبدالله القريان (62-3).
- كذلك اشترى من سليمان بن عبدالله الصقير نصيبه من قليبه الكائنة بالعليا التي فوق قليب الشيخ وتحت قليب العبيد بشهادة عمار بن مفلح ومحسن العذل وكتبه محمد بن عبدالله القريان سنة 1274هـ (70-3).
- كذلك شهد سليمان العقل وعمار بن مفلح وعبيد الله بن سمر بأن مزنة بنت عايد البراهيم أقرت عندهم بأنها وهبت محمد بن الشيخ القرناس نصيبها من نصيب أمها من الآبار المسماة بالباطن الحمودية وبالروضة النجاشية هبة منجزة لا معلّقة ولا ثنيا فيها ولا خيار بخط الشيخ صالح بن قرناس سنة 1274هـ (73-3).
- كما شهد حمد القرناس بأن أمه وإخوانه وأخواته وجميع ورثة عبد العزيز القرناس قد وهبوا الشيخ محمد القرناس نصيبهم من البير المسماة النغيمشية وشهد به سليمان العقل وعلي المنصور بن ضلعان وكتبه محمد بن عبدالله القريان في التاسع من محرم سنة 1275هـ (78-3).
- كما شهد عبدالله الناصر بن عقيل وعثمان الصالح بن عقيل ومحمد الناصر بن شقير ومحمد بن نان ومحمد بن إبراهيم الحريقي بأن ورثة سليمان بن إبراهيم المصطور وهبوا نصيبهم من الشعبة المسماة الحفر بخط محمد بن عبدالله القريان في غرة جمادى الأولى سنة 1274هـ (10-4).
- كما شهد محمد العلي البييبي وسليمان العلي بن عقل وعثمان الصالح بن عجينة بأن خديجة بنت حمد البراهيم باعت حقها وحق أبيها حمد من أرض القميطي بالنغيمشية بعشرة ريالات وكتبه عثمان بن سليمان بن فواز في الختمة من ذي القعدة سنة 1262هـ (18-4).
هذه بعض الوثائق التي ذكر فيها الشيخ محمد القرناس ولو أردنا أن نكتب عمّا كتب عنه لطال الحديث.
خلّف الشيخ محمد بن قرناس مجموعة من الذرية (2) ذكور (10) إناث من ثلاث زوجات وهم: صالح ومنيرة وزينب ومزنة ومضاوي ومويضي وعائشة وهيا ورقية أمهم خديجة بنت محمد الوهيبي، قرناس وفاطمة أمهما رقية بنت محمد بن حمود، وموضي أمها شما المبارك.
توفي الشيخ محمد بن قرناس عام 1274هـ وقيل عام 1276هـ. أما القاضي في روضة الناظرين فقال عن وفاة الشيخ محمد ما يلي: (وافاه أجله المحتوم في ربيع الآخر سنة 1272هـ وهذا ما ذكره حفيده بترجمة جدة وهناك مرجع آخر جعل وفاته سنة 1274هـ. وخلفه على قضاء الرس زميله عبدالله الخليفي).
كذلك قال الرحّالة ديفيد كمنز في كتابه (الدعوة الوهابية والمملكة العربية السعودية) (ص 85) عن الشيخ محمد بن قرناس (أدى محمد بن قرناس أن عبدالرحمن وهو ابن قاضي الرس مناسك الحج إلى مكة المكرمة عام 1819م لكننا لا نعرف إذا ظل طويلاً في الحجاز، وقد خلف أباه لاحقا بمنصب قاضي الرس عام 1846م وبقي حتى توفي عام 1858م).
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه جنات النعيم مع الصالحين الأبرار.