كوثر الأربش
ما زلتُ أذكر احتفاليات فوز أوباما، البشرى العارمة التي عصفت بالوطن العربي، الآمال الكبيرة التي علَّقها الجميع وفق خطابات الرئيس الجديد، الذي كان يتحدث من منطلقات التغيير وضرورته. ولستُ بحاجة لأن أذكر الآن مدى الخيبة التي حدثت بعد ذلك، سياسات أوباما لم تكن بمستوى التوقعات، ووجدنا أنفسنا في مهب الريح، ما بين صداقة معلنة من إيران حاضنة الإرهاب وصانعة الفوضى في المنطقة، وما بين قرارات قد تحمّل المملكة والخليج ديون وأعباء مالية قاصمة للظهر. لدينا الآن حادثة تاريخية مشهودة، أعني الفارق الضوئي الشاسع بين التوقعات والنتائج، ما بين الخطابات التفاؤلية والتطبيقات المحبطة والمتخبطة. اليوم أمريكا تتوّج رئيسها الخامس والأربعين، المرشح الذي حامت حوله الكثير من الشكوك الأمريكية والعالمية والعربية. والذي كان فوزه بعيدًا عن توقعات أمهر الخبراء في التحليل والاستقراء السياسي. لكنه فعلها، وفاز!
سؤال كبير يحوم في أروقة الصحافة والإعلام ومواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، وربما في المجالس والبيوت، حول سبب فوزه رغم خطاباته المثيرة للجدل، والمثيرة للمخاوف أيضًا. وفي الحقيقة لم أجد خسارة هيلاري كلينتون في الانتخابات الأمريكية إلا مكسباً حقيقياً، ليس لأمريكا التي أزيحت عن هرم قيادة العالم خلال حكومة أوباما، والذي خلف فراغاً قياديًا استغلته روسيا بذكاء وحكمة. أقول حكمة بالمقاييس السياسية وليست القيمية. يمكن فهم أسباب فشل هيلاري بوضعه في إطاره التاريخي. أعني ثماني سنوات من الإحباط العالمي من ممثّل الديموقراطيين أوباما وتبعات سياساته. إنني شخصيًا أحترم هذه السيدة، وإصرارها، عمليتها، شخصيتها المؤثّرة. لكنها لم توفق في ضخنا بالأمل. هذا ما نجح ترامب من جانبه في صناعته. العالم اليوم يموج بالصراعات، ثروات الأرض في تناقص مقلق، التغيّرات على المستوى السياسي لا تنبئ بخير. السياسيون خسروا ثقة العالم، ولسان أمريكا والعالم يقول: ماذا لو تركنا لرجال الأعمال الناجحين فرصة؟ حتى يكون ما أقوله واضحًا: خسارة هيلاري نتيجة رياضية لفوز ترامب. وفوز ترامب نتيجة موضوعية لفشل هيلاري، الذي هو في سياقه المنطقي فشل لأوباما. أمريكا الدولة الفتية، ما زالت عصية على الجمود، فعلًا هي أرض الفرص. وها هو رجل الأعمال في البيت الأبيض يحظى بفرصته الكاملة. وبناءً على خطابه بعد الفوز، الخطاب الذي اتسم بالمسالمة والعقلانية والاتزان يخالف أيضًا توقعات الجميع. هل تستمر أمريكا في إبهارنا؟ هل يقوم ترامب بما لم ينجح به رجال السياسة؟ الأيام حبلى بالمفاجآت.