«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
بعضنا عندما يدخل ليأخذ (دشًّا) يطيب له أن يستمتع بترديد بعض الأغاني التي تعجبه، وأغانٍ بنت اللحظة، يؤلفها ويلحنها آنيًا، ويرددها بصوته الذي يتصوره أنه صوت (عندليب)، وليس بالطبع صوت عبدالحليم حافظ - رحمه الله - فلقد تعود الناس أن يصفون كل صاحب صوت عذب بالعندليب.. ولكن ليس كل من دخل ليستحم وغنى داخله وعلى كيفه - وهذا من حقه - تمتع بصوت شجي، فيه من الطرب الكثير! وكما قيل قديمًا: (صوته غير مقبول ولو غنى في الحمام)؟! والغناء في الحمام ظاهرة عالمية، يشترك الجميع فيها، الغني والفقير، الرجل والمرأة، وحتى الأطفال، بل حتى الأباطرة والملوك والقادة مع كل الاحترام والتقدير؛ فهم قبل وبعد بشر، يحبون ما نحب، ويهوون ما نهوى.. بل بعضهم - والحق يقال - كان يتمتع بصوت مقبول.
وتختلف الآراء في الأسباب التي تدعو البعض إلى الميل وعشق الغناء في الحمام وهو (يدعك جسده بالليفة والصابون)، أو على الأقل الدندنة حين يكون في قمة سعادته وحبوره. وأذكر أنني قبل سنوات كنتُ أسكن في غرفة أحد الفنادق خارج المملكة، ويفصل بيني وبين جاري في الغرفة باب، وكان صوته وهو يردد أغنية للمطربة الفرنسية الشهيرة (أديث بياف) يأتي عذبًا متخطيًا جدران حمامه، ومنسابًا من خلال الباب. وحتى اليوم، بل حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه الإطلالة، أكاد أسمع نغمات صوته العذب وهو يردد «دريا دريا».. يا الله، ما أرع صوته وهو يخبط بقدميه على أرضية غرفته الباركيه؟!
ولقد جاء العلم الحديث ليكتشف نواحٍ ومزايا لم تكن معروفة لدى العلماء وخبراء الأصوات في سبر غور الأسباب التي تدفع بالواحد منا للغناء في الحمام، خاصة وهو يغني لا بهدف إطراب سمعه، وإنما لإحساس نابع من سعادته وهو يستحم، وآخذ راحته على الآخر. والعجيب أن البعض لا يعرف لماذا يشدو أو يغني أو يدندن أو يردد كلمات آنية، قام بتأليفها ولو من الخاصرة.. المهم أنه مستمتع وسعيد.
وظاهرة الغناء معروفة منذ القدم؛ فكان قدماء الصينيين والفراعنة والرومان يغنون، بل الرومان اعتبروا الغناء في الحمام يساعد على الاسترخاء نفسيًّا وجسديًّا، ويساعد على إبعاد التعب عنهما (الجسد والنفس) معًا. هذا، وتوجد في بعض دول العالم جمعيات خاصة للمعالجة بالغناء، يشترك فيها الآلاف من الأعضاء.. ورغم أن الكثير منهم لا يتمتعون بصوت مقبول لكن كل واحد منهم يشعر بسعادة وهو يردد مقاطع من أغانيه المحببة، بل وصل الأمر إلى أن الغناء بات يعتبر علاجًا لحالات من المرضى النفسيين؟! كما هو حال العلاج بالعمل في مستشفيات الصحة النفسية، التي نجحت كثيرًا في هذه التجربة الرائدة. والجميل بعد هذا أن الغناء في الحمام يكشف لمن استمع إلى صاحبه (الزوج أو الزوجة أو حتى أحد الأبناء) مقدار السعادة التي تبدو واضحة على محياهم عندما يخرجون من تحت (الدش) والابتسامة العذبة تلوب حول شفاههم..؟!