اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
جاستا بـ(جاستا):
ويقودني هذا للتذكير هنا بما أحاول جاهداً تنبيه الجميع إليه دوماً من مؤامرات الغرب التي لا ينفك يحيكها ضد العرب والمسلمين والمستضعفين في الأرض منذ قرون؛ بدليل تلك النيران التي أشعلها الغرب في المنطقة، فكادت تقضي على الأخضر واليابس، بعد أن حوَّلت معظم دول (الجحيم العربي) إلى أشباه دول، بل قبله دمَّرت مؤامرة الغرب دولاً عديدة؛ والقائمة تطول من أفغانستان حتى الصومال. فضلاً عمَّا يتم بين الغرب وإيران تحت الطاولة من اتفاقيات ومساومات على تقسيم الكعكة إثر الاتفاق على برنامجها النووي، وأجد في هذا كثيراً مما يغني اللبيب عن الشرح والتحليل.
وعليه، لا أجد اليوم بُدّاً من دعوة قادة آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لتبني نظرية الرئيس السادات، رحمه الله، مع الكيان الصهيوني: العين بالعين، والسِّن بالسِّن، والعمق بالعمق؛ وبالتالي جاستا بـ (جاستا). من خلال تفعيل المنظمات الإقليمية (مجلس التعاون لدول الخليج العربية، جامعة الدول العربية، الاتحاد الأفريقي، منظمة التعاون الإسلامي، دول عدم الانحياز وغيرها) للانسحاب من كل المنظمات الدولية التي تربطنا بالغرب، وتشكيل تكتل سياسي اقتصادي عسكري أمني خاص بنا، نسميه مثلاً (القارات المتحدة)، يضم كافة دول القارات الثلاثة، لاسيما أن لدينا في هذه القارات كل الإمكانات البشرية والمادية اللازمة لنجاح هذه الفكرة؛ وحتى لا نقع في فخ الغرب، لتكن كل منظماتنا الجديدة تضم عضواً من كل دولة من دول القارات الثلاثة، النِّد بالنِّد. إضافة إلى ضرورة فك الارتباط بالدولار، لاسيما أن لدينا عملتان معتمدتان اليوم في سلة صندوق النقد الدولي (اليوان الصيني والين الياباني).
والحقيقة، لا يمكنني مغادرة هذه الفقرة دون الإشادة بتلك الخطوة الجريئة التي اتخذها الاتحاد الأفريقي بدعوة أعضائه للانسحاب من محكمة الجنايات الدولية، التي اتضح أنها شُكِّلت خصيصاً لإذلال القادة الأفارقة، والاستجابة الفورية لدولة بورندي وجنوب أفريقيا اللتين انسحبتا منها، غير آسفتين. وعليه، ليس مستحيلاً علينا إعلان الانسحاب من كل المنظمات العالمية التي تربطنا بأمريكا وأوروبا، وبالتالي تنظيم شؤوننا في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بما يضمن مصالح الجميع على قدم المساواة، وتحييد الغرب بسحب البساط من تحت أقدامه، وتركه يعض أصبع الندم على صلفه وعنجهيته وغروره.. وهكذا نتمكن من تسوية جميع مشاكلنا رغماً عن أنف الغرب، وأولها مشكلة فلسطين التي صنعها الغرب ووقف حجر عثرة في طريق حلها طيلة هذه المدَّة، مستخدماً صلاحيات منحناها نحن له، للأسف الشديد. وهكذا نتمكن من إجبار الغرب على التعامل معنا بالعدل والمساواة، إن أراد، وإلاّ فنحن في غنىً عنه، وليشرب من البحر كما يقولون.
سلام.. يا الإعلام:
وحتى ذلك الحين، أتمنى على إعلامنا الخارجي، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، مغادرة مخبأ بياته الشتوي الذي طال أمده، ليفيق من سباته، ويؤسس شركات إعلامية معتبرة في أمريكا وأوروبا، تكون قدر التحدي، تصدر صحفاً يومية ومجلات دورية؛ إضافة إلى محطات تلفازية وأخرى إذاعية؛ تخاطب الشعوب هناك بلغتهم، حتى يدرك المواطن البسيط من نحن، وكيف نفكر، ومدى حرصنا على أمن العالم واستقراره، وحبنا للخير للبشر كافة. فللأسف الشديد، كل ما يعرفه عنَّا الإنسان العادي في الغرب، هو تلك المعلومات المضلِّلة التي تريدها له حكومته، حسبما يضمن لها تأييده لكل ما تريد اتخاذه من سياسات تجاهنا.
وصحيح، يجتهد إعلامنا المحلي كثيراً في كشف مؤامرات الغرب علينا، مع تحفظ البعض. فقد تابعت مثلاً كل هذا الكم الهائل الذي كتبه الزملاء عن (جاستا)، غير أنه للأسف الشديد، يبدو كصرخة في وادٍ سحيق، شأن مقالي هذا أيضاً؛ لأنه موجَّه للرأي الداخلي، الذي قد يدرك عن جاستا هذا، أكثر مما نزعم معرفته نحن الإعلاميين. فانظروا مثلاً تأثير الإعلام الذي زلزل اليوم عرش ترامب، وكاد يحسم نتيجة الانتخابات الأمريكية لصالح منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، حتى قبل أن تبدأ. ودفع عملاق الإعلام هناك (شركة ATالجزيرةT) للاستحواذ على شركة (TIME WARNER) بـ (86) مليار دولار، بسبب تهديد ترامب (النَّزق) الذي توعَّد بإلغاء الصفقة حال وصوله البيت الأبيض.
وقبل الختام، أؤكد للأمريكيين أنهم أول من يدفع الثمن غالياً لـ(قانون مكافحة الإرهاب - Justice Against Sponsors of Terrorism Act ) المعروف اختصاراً بـ (جاستا)، بسبب انتشار جيشهم ومخابراتهم ودبلوماسييهم وتجارهم وحتى سماسرتهم في كل بقاع الدنيا، من روسيا حتى جنوب أفريقيا، ومن اليابان حتى السنغال. ولهذا ربما وجدت الـ (CIA) يوماً نفسها في حاجة لآلاف العمليات على شاكلة عملية (ARGO) الخطيرة المعقَّدة، التي استغرقت ثلاثة أشهر لنقل ستة أفراد من الدبلوماسيين الأمريكيين من طهران إلى بلادهم، إثر اقتحام الإيرانيين السفارة الأمريكية هناك عند اندلاع ثورتهم المشؤومة عام 1979م. فضلاً عمَّا لحق بـ (66) موظفاً آخرين في مبنى السفارة، وما تعرضوا له من تعذيب وتنكيل وإذلال.
قبل فوات الأوان:
وعلى ذكر إيران، أود أن أؤكد لكل من علَّق آماله عليها، وربط مصيره بها، أن أستاذاً جامعياً، كان مأخوذاً بـ (الثورة الإسلامية الإيرانية)، ذهب إلى طهران عام 1979م، والثورة في قمَّة فورتها الأولى، فالتقى كبار مسؤوليها وقضاتها، وشهد محاكمها، وطاف على أنصارها في باكستان وأفغانستان؛ وكتب عنها بحثاً نال به درجة الماجستير وقتها؛ خلص إلى أن هذه (الثورة الإسلامية الإيرانية)، سوف تنتهي إلى حزب وطني فارسي، لا علاقة له بما يرفعه من شعارات إسلامية؛ إذ يتخذ المذهب الشيعي تقيَّة لإبادة السنَّة، حتى إذا تحقق له ما أراد، انقلب على أنصاره فحقَّق مراده. وتكتسب هذه الدراسة مصداقيتها من أن صاحبها كان وقتها مناصراً، وتوصل إلى هذه النتيجة بعد دراسة ميدانية مستفيضة، وليس من خلال البحث في مؤلفات الآخرين التي قد لا يخلو بعضها من غرض. يؤكد هذا حجهم لكربلاء؛ مع أن حتى غير المسلمين يعلمون يقيناً أن (الحج عرفة). بل أجمع كل المفسرين على أن المقصود بـ (البيت) الذي يحج إليه المسلمون في قوله تعالى : {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ. فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (آل عمران: 96- 97)، وغير هذا من الآيات الكريمة في كتاب الله تعالى التي ورد فيها ذكر البيت العتيق؛ أقول أجمع كل المفسرين على أن المقصود بـ (البيت) الذي يحج إليه الناس، هو الكعبة المشرَّفة في مكة المكرمة. فضلاً عن حديث خطيب كربلاء، ثالث أيام عيد الأضحى الأخير: (من زار الحسين في يوم عرفة، كان كمن زار الله في عرشه؛ هذه عطية الله للحسين. الله يترك ضيوفه فيتوجه لزوار الحسين، ويخاطبهم: استأنفوا العمل، يعني افتحوا صفحة جديدة، إلى هذا اليوم كل ما عندكم من ذنوب ببركة الحسين، أنا غفرتها لكم، ثم يُعرِّج على ضيوفه في عرفات). وأترك التعليق هنا للقارئ الكريم.. فانتبهوا قبل فوات الأوان.
وحتى لا يفهم أحد ما حديثي هذا في غير سياقه، أشير إلى أنني أكدت مراراً، وأعيد اليوم، أنني مع حرية الاعتقاد التي كفلها الخالق سبحانه وتعالى لخلقه؛ غير أننا نشترك في وطن واحد، ليس مثله وطن؛ يتمتع فيه الجميع بالحقوق نفسها، وعليه الواجبات ذاتها التي على الآخرين، يؤكد مليكه دوماً أنه من حق أي مواطن أو مواطنة، رفع دعوى حتى على الملك أو ولي عهده أو أي فرد من أفراد الأسرة الحاكمة؛ ليس هذا فحسب، بل إن مؤسسه كان يقف أمام القضاة، مثله مثل خصمه. ولهذا كان لا بد لنا من الالتفاف جميعاً حول قيادتنا، والعمل معاً من أجل رفعة وطننا والمحافظة على منجزاتنا، وضمان استقلاله واستقراره وأدائه لرسالته السامية العظيمة في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من كل فج عميق.
وعلى ذكر إيران أيضاً، التي أقامت الدنيا ولم تقعدها يوم حكم قضاؤنا على مواطننا السعودي (نمر النمر) بتنفيذ حكم الشرع فيه مع آخرين، بسبب ما ارتكبوه من جرائم شنيعة في حق الأبرياء والوطن؛ أتمنى أن تكون إيران قد خجلت من نفسها وعادت إلى رشدها فأدركت، وكل من اصطف إلى جانبها، عدالة القضاء السعودي ونزاهته واستقلاله، يوم حكم القضاء السعودي نفسه الذي حكم على نمر النمر بالمصير ذاته على أحد الأمراء. وإن كنَّا نأسف حقاً على كل نفس تنزع إلى الشَّر، فتضطر القضاء لتنفيذ حكم الشرع فيها وخسارتها. بل حتى النمر ومن معه، كنَّا نتمنى صادقين أن يعودوا إلى رشدهم ويرجعوا عن غيِّهم، فيبقى ساعدهم أداة بناء إلى جانب إخوتهم في الوطن، لا أداة هدم وخذلان.
إلاَّ مكة المكرَّمة:
تذكرون، عندما أمر قائد مسيرتنا، والدنا خادم الحرمين الشريفين، سلمان الحزم والعزم والثَّبات، صقوره المتحفزة دوماً للدفاع عن هذه الدِّيار المقدسة، المتحرقة شوقاً لحمايتها وضمان أمنها واستقرارها، بدك أوكار التَّمرد في اليمن الشقيق، لوأد الفتنة في مهدها؛ إثر تشكيله تحالفاً عربياً فريداً في لمح البصر، واستصدار موافقة الأمم المتحدة والجامعة العربية لتنفيذ المهمة؛ ظهرت بعض أصوات نشاز هنا وهناك، قاصرة النظر عديمة الرؤية، تنتقص من هذا التحرك وتدينه. وما علموا المساكين أن قرار عاصفة الحزم كان قراراً إستراتيجياً مهماً، جاء بناءً على حيثيات أكيدة، وقرائن واضحة، ونوايا مبيَّتة، بل حتى تصريحات صريحة تردَّد صداها في العالم كله، وأفعالاً سابقة وممارسات شنيعة، استهدفت العبث بقبلة المسلمين ونشر الفوضى في الديار المقدسة. وبالطبع، ما كان لقائد همام مثل سلمان الحازم العازم، أن ينتظر حتى ينفذ المتمردون من الحوثيين وأنصار صالح (غير الصالح) أعمالهم الشنيعة، التي يخجل منها حتى الشيطان الذي أغواهم، في استهداف بيت الله الحرام، وقبلة المسلمين ليتحرك.
وقطعاً، كان سلمان يدرك جيِّداً أن المهمة ليست سهلة، وفيها ما فيها من الخسارة على الطرفين؛ فالحرب شرٌّ كلها. ولهذا بذل كل ما يستطيع من جهد مع إخوته العرب، خاصة الخليجيين، لحل المشكلة سلمياً بعودة الانقلابيين إلى رشدهم، إن كان ثمَّة رشيد فيهم.
أما وقد تأبط المتمردون على الشرعية الشَّر، وتحدُّوا العالم بانقلابهم على الشرعية، وهدَّدوا أمن المنطقة وسلمها، وتبجح رأس الفتنة في طهران باستيلائه على رابع عاصمة عربية (صنعاء)، مهددين أمن المملكة والديار المقدسة؛ أقول أما وقد بلغ الحال هذا المستوى من الخيانة للعقيدة والأمة والعروبة، والعمالة للفرس؛ ما كان لقائد مثل سلمان أن يفرِّط في أداء رسالته الأساسية، التي أُنشئت من أجلها دولته، فينتظر حتى تصل يد الشَّر إلى بلد الله الحرام، لا سمح الله، مهدِّدة أمن الحجاج والمعتمرين والزوَّار، فكل شيء يهون في سبيل الدفاع عن رسالتنا وقبلتنا.
وليعلم المتمردون في صنعاء وصعدة، الذين ربطوا مصيرهم بفارس، بل ليعلم رأس الفتنة في قم وطهران قبلهم، أننا اليوم أقوى ما نكون، بعون الله سبحانه وتعالى، وأكثر وحدة وتماسكاً، وأقوى عزيمة وإصراراً على اجتثاث شأفتهم وقطع دابرهم؛ مؤكدين لهم وللعالم أجمع، أن أرواح كل السعوديين ودماءهم وكل ما يملكون من غالٍ ونفيس؛ ومن خلفهم كل المسلمين الصادقين، وأحرار العالم وشرفائه، فداءً لبيت الله سبحانه وتعالى، وقبلة المسلمين، ومثوى رسول الله للعالمين.
وإن كنَّا ندرك يقيناً أن الله عزّ وجل، القوي المتين، ليس في حاجة لأحد خلقه لحماية بيته، فقطعاً كل مسلم يعلم قصة أصحاب الفيل والطير الأبابيل وحجارة السِّجيل. و لابد أن الفرس هم أكثر الناس معرفة بـ (السِّجيل)، فقد ذكر بعض المفسرين أن أصل السِّجيل كلمتان بالفارسية: (سنج) وتعني الحجر، و(جيل) وتعني الطيِّن، جعلهما العرب كلمة واحدة (سجيل). أي أن الحجارة التي رمى الله بها أصحاب الفيل، الذين عزموا على هدم الكعبة، هي من هذين الجنسين (الحجر والطيِّن).
وعلى كل حال، مع هذا، لن نتخلى عن هذا الشَّرف العظيم، الذي ليس كمثله شرف في الدنيا، عن مسؤوليتنا في الدفاع عن مقدساتنا. فليعلم القاصي والداني، أن ادعاء الفرس لـ (الثورة الإسلامية) ليس أكثر من مجرد مطيَّة لاستعادة مجد إمبراطوريتهم الغابرة. وإلاَّ فليقل لنا أعداء نظرية المؤامرة، سرَّ استهداف الفرس، عن طريق عملائهم، مكة المكرمة؛ التي حرَّم الله اصطياد صيدها، بل حتى تنفيره من أوكاره، كما حرَّم قطع شجرها وقلع حشيشها؛ ناهيك عن ترويع أهلها واستهدافهم بالصواريخ.. فأية جرأة هذه، وأي جهل هذا، وأية (ثورة إسلامية) هذه؟ مناشداً حكماء اليمن، وعقلاء إخوتنا الشيعة، مع شيخنا الفاضل صالح المغامسي: خذوا على أيدي سفهائكم، واعلموا أن طهران اليوم دار ضغينة، لا دار سكينة.
وأختم هذه الفقرة، بكلمة أوجهها مع الاحترام والتقدير لجامعة الدول العربية: كنَّا نتطلع بشوق عارم لتغيير جذري في أسلوب عمل الجامعة العربية، في ظل هذه المخاطر التي تحدق بمنطقتنا؛ خاصة عندما تولى معالي الأخ أحمد أبو الغيط، قيادة هذه المؤسسة. لكن للأسف الشديد، أقولها بكل صدق وصراحة: خاب أملنا، إذ لم يتغير خطاب الجامعة العربية تجاه قضايا الأمة المصيرية، ولم يبارح عباءة الشجب والاستنكار والاستهجان والإدانة وغيرها من عبارات مستهلكة، ودعوة (المجتمع الدولي) لتحمل (مسؤولياته) لـ (حل مشاكلنا)!
وحتى لا ننفض، نحن المواطنين العرب، يدنا من جامعتنا، أتمنى عليها إعادة هيكلتها، ونفض الغبار عنها لـ (تحمل مسؤولياتها) بفكر جديد وشجاعة واقتدار، والكف عن تجيير كل شيء على (المجتمع الدولي) الذي نسمع جعجعته منذ خلقنا، دون أن نرى له طحيناً، خاصة فيما يتعلق بمشاكل العرب والمسلمين. بل أكثر من ذلك، المجتمع الدولي هو سبب كل هذا الشَّر المستطير والوحل الذي غرقت فيه المنطقة حتى أخمص قدمها.
فأتمنى بكل صدق يا معالي أمين الجامعة العربية، أن نسمع قريباً جداً عن تأسيس (مجلس الأمن العربي) لحل قضايا العرب الأمنية، وضمان سيادة الدول الأعضاء، وردع المعتدين بـ (البند السابع العربي)؛ تدعمه قوة (الدرع العربي) الجاد، المفتول الزند، الذي يغري (درع الخليج) بالاندماج فيه، لتصبح لدى العرب قوة رادعة قوية موحدة؛ يعمل لها الجميع ألف حساب. فكفانا هذا الذل والهوان الذي حيَّدنا حتى عن حل مشاكلنا الخاصة. وفي ما يحدث في سوريا المكلومة اليوم من تقاسم للكعكة بين الغرب وروسيا، على حساب دماء أهلها وممتلكاتهم ووحدة تراب بلادهم، خير شهيد على ما أقول، وإن كانت الأمثلة في العالم العربي قاطبة، تغني عن الحصر؛ بعد أن أصبح أمرنا بيد الروس والغرب، يتبادلون الأدوار لتحقيق مصالحهم على حساب دمائنا ومنجزاتنا وحضارتنا وإرثنا الثقافي. فسوريا وكل بلاد العرب، يجب أن تكون لنا نحن العرب.. لا للغرب. أليس هذا (حلماً) مشروعاً، يا (الجامعة العربية)؟.
و لاشك، يتوقع الجميع أن تكون أعظم رسالة للجامعة العربية وأشرفها، و أولى أولوياتها، هي حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء.. وحتى ذلك الحين: أخذنا أكثر من حظنا من عبارات الشجب والاستنكار والاستهزاء والإدانة.. فكفى. وانصرفوا لعمل حقيقي جاد، وقرار حاسم شجاع، وقوة رادعة تضمن الأمن وتحفظ النظام للجميع، وترعى حق الكل ضد أي اعتداء خارجي.. و إلاَّ: فليمد أبو حنيفة رجليه.
القائد الأُمَّة:
فالحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته، واستسلم كل شيء لقدرته، وخضع كل شيء لملكه، وذلَّ كل شيء لعزته، أن جعل بيته عندنا ومثوى رسوله، واستأمننا على رعاية الديار المقدسة وخدمة قاصديها، وجعل لنا قيادة راشدة مخلصة وفيَّة، مدركة لما يواجه العالم اليوم من تحدٍ، وعلى استعداد للتضحية بكل غالٍ ونفيس من أجل أداء هذه الرسالة السامية العظيمة.
وحقاً، لا أجد اليوم أفضل مما قاله أخي الدكتور عبد الله بن ثاني، عميد الموهبة والإبداع والتميز البحثي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، في حق والدنا، قائد مسيرتنا إلى المجد والعلياء، سيِّدي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، في رائعته (وإنّك يا ابن الأكرمين مجاهد)، التي نشرت بجريدة الجزيرة، يوم الأربعاء 18-1-1438هـ، الموافق 19-10-2016م، العدد 16092، ص 21، لأختم به مقالي هذا، إذ يقول في ختام رائعته تلك، مخاطباً مليكنا المفدّى المجاهد، الذي هو حقاً أمة تامة كاملة في رجل واحد:
عَلَيْكَ سلامُ اللهِ مَا لاَحَ بَارِقٌ
وَمَا اسْتعْبَرَتْ عَيْنٌ وَمَا رَقَّ وَالِدُ
وَرَبِّ الَّذِي اسْتَرْعَاكَ إِنَّكَ أُمَّةٌ
وَإِنَّكَ يَا ابْنَ الأَكْرَمِيْنَ مُجَاهِدُ