عبدالعزيز السماري
تعد المجتمعات العربية من أكثر المجتمعات انقلاباً على مفاهيمها، إذا تمت مقارنتها بالمجتمعات الغربية، والتي وصلت بعد معاناة إلى استقرار نوعي في المنهج وطرق التفكير وأساليب الحياة، وقبل ذلك في جعل الأنانية أو المصلحة الفردية وحدة أساسية في كيان المصلحة الجماعية.
في حين تعرض الإنسان العربي لشتى أنواع الخداع إن صح التعبير، فقد كان حيناً مجرد وجه بلا تفاصيل في صفوف جيش الزعيم، يحارب ويقتل في معارك بلا هدف، ثم تحول بعد ذلك إلى قنبلة موقوتة في حسابات بعض رجال الدين، ولاتزال تلك الفكرة طاغية التأثير في كثير من أوجه النزاع الطائفي في الشمال والجنوب العربي.
ينتابني شعور وإحساس لا ينقطع أن شاطئ الأمان لا يزال بعيد المنال عن الشعوب العربية، فالتوجه في المنطقة العربية يزداد يوماً بعد يوم نحو الفوضى والحروب، بعد أن تكسرت الحواجز بين السلطة والمواطنين، وظهرت حقيقة العلاقة الخفية مع المال في كواليس السلطة.
فالسلطة ظهرت بشاعتها وجشعها عندما خرجت بلا صبغة أيدولوجية أو قومية أو غيرها من المقدمات التي كانت تشفع لها انفرادها بالثروة والسلطة، فكانت الحقيقة في غاية المرارة في حلق المواطن، وهو ما دفعهم نحو الانتحار في ثورات متتالية تحت مسميات مختلفة تعد انقلاباً على المفاهيم التقليدية..
الحقيقة المرة أيها السادة هو أن السلطة في العالم العربي تعني الرغبة البدائية في السيطرة على الثروة والمال وليس خدمة الشعارات المعلنة، والتي تعتبر مجرد وجه زائف لأساليب عفى عليها الزمن، فما يحدث هو سباق مع الزمن لجمع الثروات الطاغية، ثم تقسيمها كإرث بين الوارثين، والخاسر هو الوطن العربي بكل ما تعنيه الكلمة.
تنهار علاقات الثقة ويزداد التوتر والقلق إذا لم يتم التعامل مع المواطن بصفته إنساناً مكتمل التطور، وكائنا اقتصادياً، تقوم على انتاجيته اقتصاديات الأوطان، وبصفته إنساناً له كامل حقوق المشاركة، ليصبح بمثابة البنية الأساسية للنظام السياسي المتكامل في الوطن.
لذلك، لا يصح أن تكون التضحية في اتجاه واحد، أو يكون العطاء أمرا خاصا، ومن جانب واحد، أو يكون ترتيب المواطن الأخير في طوابير سياسات توزيع الثروة، لكن يجب أن تكون العلاقة بين الجميع على طريقة أعطني ما أحتاج، وستحصل مني، بالمقابل، على ما تحتاج».
تماماِ مثلما يستنتج أدم سميث، «لا ننتظر من الجزار أو الخباز أن يوفر لنا عشاءنا بفعل الاهتمام بنا وحده، بل بفعل الفائدة التي يجلبها توفير هذا العشاء لمصالحهم، إننا لا نتوجه بالخطاب لإنسانيتهم وإنما لأنانيتهم..
فهل تدرك السلطة أيا كانت صبغتها على الأرض العربية أنه لا يوجد صفوف أولى وأخرى ثانوية في مفاهيم المواطنة، وأنه لايوجد مواطن أقل ومواطن أكثر، ولكن توجد فرص وحقوق متساوية..
وهل تدرك دولنا أيضاً أن الحقيقة لم تعد معنى مجازياٍ في بطون الشعارات الوطنية أو الدينية أو الطائفية، فقد سقطت الأقنعة وظهرت الأنانية بكامل هيئتها خلف المآسي والكوارث التي تمر فيها الأوطان العربية...
وهل تدرك أخيراً أن وسائل الاتصال الاجتماعي تحولت لتكون الميدان الجديد والمفتوح دوماً للثورات الناعمة، والتي عادة ما تسبق حالة الجنون، التي عندما يصل إليها الفرد، يتحول إلى كائن متوحش، لم يعد لديه ما يخسره، فيخرج، وعندها تحدث الكارثة مثلما نراها في سوريا وليبيا واليمن.