اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
غيض من فيض:
يُجْمِعُ الفلاسفة على تشبيه الحقيقة بمرآة هائلة، سقطت من السماء، فتناثرت شظاياها في كل مكان، فحاز كل إنسان في الكون على شظية واحدة منها؛ ومع هذا، يدَّعي كل شخص اليوم أنه هو وحده، وليس أحد غيره، يمتلك كل الحقيقة. غير أنني أرى أن أمريكا شذَّت عن هذه القاعدة، كعادتها دائماً، مدَّعية أنها أعادت تجميع كل تلك الشَّظايا، فاستنسخت المرآة من جديد. فأصبحت بالتالي هي وحدها، وليس أية دولة غيرها، تمتلك كل الحقيقة؛ حقاً وليس ادعاءً. في ترسيخ صارخ للقاعدة الاقتصادية الأمريكية الشهيرة: إن لم تستطع منافسته، فاشتريه، وإلا فاستنسخه.
ولهذا ليس غريباً أن نراها اليوم قد جعلت من نفسها مرجعاً للقوانين التي يجب أن يتَّبعها العالم، مع أنها تُفَصِّلها دائماً حسبما يحقق مصلحتها ومصلحة حلفائها، أو قل فئة خاصة من حلفائها المصطفين. فهي التي تفصل قرارات الأمم المتحدة بليل والناس نيام عن طريق سفيرها الدائم هناك، وربَّما استوقف المرء هنا، أن معظم من شغلوا هذا المنصب لأمريكا هم من السيدات، ولا تخجل من استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين حليفها الإستراتيجي المدلل (الكيان الصهيوني) أو مواطنيه؛ حتى إن أحرقوا أطفال الفلسطينيين في بيوتهم وهم نيام، أو دكّوا بيوتهم عليهم بـ (الرصاص المصبوب)، ولم يتورعوا في استخدام كل الأسلحة (المحرمة) في قتلهم وتشريدهم وتدمير بنيتهم التحتية، وسمَّموا المياه ومنعوهم عنها؛ ومنعوهم من أداء شعائرهم في المسجد الأقصى، وجرفوا بيوتهم وأشجار زيتونهم التي عمرها مئات السنين، حتى أصبحت كل شجرة أو قل كل فرع من شجرة زيتون، هو بمثابة أحد أفراد العائلة التي تمتلكه؛ وارتكبوا كل الموبقات في حقهم.
بل استمرت تلك المحاباة حتى مع انتهاكات الكيان الصهيوني الدائمة وتحديه كل القرارات والمواثيق الدُّولية، واعتدائه على الدول الأخرى. كما فعل أكثر من مرة حين دمَّر مفاعل العراق النووي، ودكَّ مصنعاً للتصنيع الحربي في السودان، وقتل الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ، بعضهم لا يعرف حتى موقع فلسطين على الخريطة، وفجَّر السيارات التي (يشتبه) فيها شرقي السودان بمن فيها من أبرياء؛ فضلاً عن قتل العديد من القادة والثوار الفلسطينيين ممن (يشتبه) فيهم، في تونس والعراق وسوريا ولبنان التي تنتهك سماؤها وبحرها يومياً مئات المرات، واختطاف الأعداء المزعومين من كل مكان إلى تل أبيب... إلخ.
أريكم ما أرى:
أجل، أمريكا هي التي تحدِّد دول (محور الشَّر) والدول التي ترعى الإرهاب في العالم أو تلك التي تنوي ذلك، أو حتى تريد لها أمريكا ذلك، مع أنها أول من يعلم أن تلك الدول هي أكثر المتضررين من هذه الآفة الشِّريرة؛ فضلاً عن المنظمات الإرهابية والأفراد. ومع هذا، فأمريكا هي أول من وهب الكيان الصهيوني، الذي يعد أكثر دولة في العالم تمارس الإرهاب، بل قل نشأت أساساً على فكرة إرهاب الدولة، صك البراءة؛ مضلِّلة العالم بما تشيعه من أخبار، مفادها أن ممارسات الكيان الصهيوني هي دفاع مشروع عن النفس، وليس إرهاباً مهما فعل وارتكب من موبقات بحق الفلسطينيين أو الأعداء الوهميين.
نعم، أمريكا هي التي تفرض عقوبات على هذه الدولة أو تلك، أو على منظمات وأفراد تصنفهم إرهابيين حسب مقاساتها التي تسع مصالحها؛ ومن ثمَّ تطالب العالم بإتباع نهجها، بصرف النظر عن رأي الآخرين في صدق تصنيفها ونزاهته. بل أكثر من هذا، تختطف أمريكا رؤساء الدول من غرفة نومهم، كما فعلت مع نورويقا رئيس بنما، وتدخل غرفة نوم بعضهم دون استئذان بحثاً عن (أسلحة الدَّمار الشامل المزعومة، كما اتضح لاحقاً)، كما فعلت مع صدام حسين؛ غير أنها مع ذلك، لا ترى مفاعل ديمونة النووي المنتصب في صحراء النقب بدعم رئيسي من الغرب، في تحدٍ صارخ للعالم أجمع.
والعجيب الغريب، أن حادثة نورويقا كانت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بوش (الأب)، فيما تمت حادثة صدام حسين في عهد الرئيس السابق بوش (الابن).. ولا أدري إن كان هذا صدفة محضة، أم أنه حدث لسبب غير مرئي، متأصل في نفس الأب، فورثه عنه الابن.
وتذهب أمريكا أبعد من هذا، فتسعى لاغتيال كل من ترى فيه تهديداً لمصالحها، حتى إن عشقه شعبه لدرجة الهيام، كما فعلت المخابرات الأمريكية مع الرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو؛ إذ نفَّذت ضدَّه منذ عام 1959م حتى اليوم، (638) محاولة اغتيال، عن طريق الغانيات والتعاون مع المافيا، التي اشترت منها الحبوب والأقلام المسمومة والسجاير المفخَّخة؛ لتنفيذ ما يعرف بـ (القتل الرحيم)، دون جلبة أو ضجيج سلاح يكشف سترها. ومع هذا، فشلت المخابرات الأمريكية في هذه المهمة، وظلَّ كاسترو في سدَّة الحكم، حتى تنازل طواعية لأخيه راؤول، بسبب تقدم سنِّه ومرضه وعجزه عن ممارسة مهماته الرئاسية؛ وما زال الرجل على قيد الحياة حتى كتابة هذه السطور.
ولابد أن يجد الباحث المنصف في هذا، نجاحاً منقطع النظير لكاسترو الذي تحول إلى أسطورة في نظر شعبه، بل في نظر شعوب كثيرة من المغبونين من أمريكا، وفشلاً ذريعاً لهالة الـ (CIA)، مع أن كوبا لا تبعد عن سواحل أمريكا بأكثر من (145) كيلو متراً على أحسن الفروض.
يضاف إلى هذا، الصفعات المدوِّية المتلاحقة التي تلقتها الـ (CIA) على يد حزب الله اللبناني، صنيعة إيران (حليفة أمريكا اليوم) عام 1983م، في بيروت، أي بعد سنة واحدة فقط من تأسيسه، في خطوة جريئة لتصدير ثورتها المزعومة إلى دول المنطقة؛ من قتل وخطف لأبرز عناصر الـ (CIA)، بل قل قادتها الذين جاءوا إلى بيروت يومئذٍ للتحقيق في استهداف الجنود الأمريكيين هناك؛ الذين قتل منهم حزب الله أكثر من (280) جندياً، وجرح أكثر من (80). في أكبر خسارة بشرية للأمريكيين منذ حرب فيتنام، التي تكبَّد فيها الأمريكيون أكثر من نصف مليون عنصر بين قتيل وجريح، إضافة إلى أكثر من (110) مليار دولار. واستمرت عشر سنوات، أسقطت فيها أمريكا على فيتنام (6,3) مليون طن من المتفجرات؛ مسبِّبة بذلك أسوأ كارثة بشرية بيئية عرفها الإنسان في التاريخ الحديث، بعد هيروشيما وناقازاكي في اليابان.. وكله صناعة أمريكية بامتياز. مما اضطر ثلاثة ملايين من مواطني فيتنام لمغادرة البلاد والنزوح إلى البلدان المجاورة. أقول، منذ حرب فيتنام حتى حادثة الحادي عشر من سبتمبر، لم تتكبَّد أمريكا خسائر كتلك التي تكبَّدتها بسبب حزب الله في لبنان عام 1983م.
وفي كل مرة توغل أمريكا أبعد، فتشن الحروب على هذه الدولة أو تلك، دونما استشارة للأمم المتحدة، فضلاً عن تفويض منها. والقائمة طويلة، من فيتنام إلى العراق وأفغانستان. ويؤكد هذا النهج المتأصل في عقل السياسة الأمريكية، دونالد ترامب، مرشح الرئاسة الحالي عن الحزب الجمهوري؛ إذ صرَّح أكثر من مرة: (لن نستأذن مجلس الأمن في ضرب الأسد، معاقبة له على جرائم الحرب). فتأملوا هذا الغرور والعنجهية، حتى إن اتفقنا معه على الهدف.
شاهد من أهلها:
أجل، هذه هي أمريكا نفسها التي طلعت علينا اليوم بـ (جاستا)، تنفذ عمليات (استباقية) في أية بقعة في العالم، دون استئذان أحد أو اهتمام لما يقوله المجتمع الدولي، كما فعلت مع السودان يوم دكَّت مصنعاً للأدوية عام 1998م (لاشتباهها) أنه يصنع أسلحة دمار شامل، فضلاً عما فعلته مع ليبيا عام 1981م، والقائمة تطول كما يعلم الجميع.
أجل، هذه هي أمريكا التي تزعم أن لديها أذكي مخابرات في الكون، تعلم حتى ما يفعله النمل الذي يدب بين الصخور، والطيور التي تحلق في الفضاء الواسع؛ تستغرق (15) سنة لتحليل (28) ورقة من مجموع (30) ورقة في تقريرها بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تخص بلادنا، حسب زعمها. وأذكر أنني نشرت مقالاً وقتها قلت فيه، لا بد أن الـ (CIA) تحتفظ بالورقتين الأخيرتين لشيء في نفس يعقوب.
وصحيح، كنت أتوقع كل شيء، إلا (جاستا) هذا، فقد صدَّقناها يوم أعلنت عن أعدائها الإرهابيين، وشنَّت حرباً ضروساً ضدّهم، انتقاماً لكرامتها؛ ووقفنا معها بكل ما نستطيع، لأننا لا نعرف غير الصدق والوفاء في علاقاتنا مع الآخرين؛ فقد علّمنا ديننا ألا نخون حتى من خاننا. بل عانينا نحن أكثر مما عانت أمريكا نفسها من هذا الشَّر المستطير؛ ودفع العالم كله ثمناً باهظاً، لاسيما منطقتنا، التي ما تزال تكتوي بنار هذا الإرهاب الأهوج؛ وأحسب أنها ستظل تدفع الثمن مضاعفاً لأجيال قادمة، ومع هذا لا تسلم من اتهام الغرب لها بتفريخ الإرهاب.
أما نحن هنا، في هذه الأرض الطيبة المباركة، فلم نكن نتردّد لحظة واحدة أمام هذه الفوضى (الخلاَّقة) والمؤامرات الحاقدة، لأننا أصحاب رسالة سامية عظيمة؛ ترخص من أجلها أرواحنا، فتصدينا للإرهاب بكل ما أوتينا من قوة وقدرة وسعة حيلة، مستعينين بالله سبحانه وتعالى، معولين من بعده على سواعد رجال أمننا الأشاوس ووحدة شعبنا والتفافنا صفَّاً واحداً خلف قيادتنا الرشيدة. وناشدنا العالم لتأسيس مركز عالمي لتعريف الإرهاب ودراسة الظاهرة واجتثاثها من جذورها قبل استفحالها؛ وتبرعنا له بـ (110) مليون دولار أمريكي (تماماً قدر المبلغ الذي صرفته أمريكا على حربها، غير المشروعة، ضد فيتنام المسكينة).. لكن للأسف الشديد، لم يسمع أحد لقولنا إلا بعد فوات الأوان؛ إذ أصبح الآن للإرهاب دولة يروِّج لها أكثر من أربعة آلاف موقع على تويتر، وجيش جرَّار، اجتمعت لحربه (60) دولة بقيادة أمريكا، ولم تنته المعركة بعد، بشهادة الموصل الجريحة والرِّقة المختطفة.
واليوم، ترد أمريكا الجميل بـ (جاستا) هذا، فبعد يومين فقط من إقراره، سارعت أرملة أمريكية تدعى ستيفاني روس دسيمون، قُتِلَ زوجها في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، التي استهدفت مقر البنتاغون في تلة الكابتول، سارعت إلى رفع دعوى أمام إحدى محاكم واشنطن ضد السعودية، زاعمة أنها وفَّرت الدعم المادي لتنظيم القاعدة الإرهابي الذي ارتكب تلك المجزرة.
يحدث كل هذا، مع أن السعودية ساعدت أمريكا في إحباط عمليات إرهابية عديدة ضدها، كان يمكن أن تكبِّدها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. بل إن كثيراً من عقلاء أمريكا من العسكريين والسياسيين والمثقفين وغيرهم من الشرفاء، لم يحتملوا الصمت على هذه اللعبة المكشوفة، فصرَّحوا للإعلام. وأذكر من هؤلاء اللواء م. ألبرت ستبلبين الثالث، الضابط الأعلى رتبة في أمريكا، إذ أكد للإعلام الأمريكي أن رواية الجهات الأمريكية الرسمية بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، غير صحيحة.
وأوجز هنا أهم ما جاء في تصريحه من نقاط جوهرية، تؤكد صدق حديثه:
- أنباء الهجوم كانت موجودة في النظام.
- أجهزة الاستشعار الخارجية في وزارة الدفاع جميعها كانت معطلة، ماعدا جهازاً واحداً؛ إضافة إلى تعطيل جميع أنظمة الدفاع الجوي في منطقة البرجين والبنتاغون. ثم يتساءل: هذا غريب ومحيِّر، لماذا حدث هذا في ذلك اليوم بالتحديد؟ ويردف: قِيْلَ إن نائب الرئيس سافر إلى كلورادو في ذلك اليوم، فأمر بتعطيلها. إذن لماذا فعل هذا إن لم يكن يعلم أنه ثمَّة أمرا خطيرا سوف يحدث؟
- الثقب الذي حدث في مبنى البنتاغون لا يمكن أن يكون بفعل طائرة، بل قذيفة تربين. ويقول إنه بعد تصريحه مباشرة، ألبسوا القذيفة (بذلة طائرة) لتبدو كأنها طائرة فعلاً.
- يستحيل أن يقوى وقود طائرة على إذابة الفولاذ والمعادن التي استخدمت في تشييد برج التجارة.
- طريقة انهيار البرج وخروج الدخان الكثيف من طوابقه من أعلى لأسفل بذلك الانتظام الذي رأيناه، لا يمكن أن تحدث بسبب انهياره، بل لابد أن يكون مصدرها تدمير مخطط له مسبقاً بطريقة علمية.
- حكاية ظهور مالك الطابق السابع في البرج في فيديو في بناية مجاورة، وصياحه: اسحب. وما هي إلاّ ثوانٍ معدودات حتى انهار المبنى كقطع الدومينو. إضافة لحكاية تجديد تأمين المبنى قبيل الحادثة بأسبوع واحد تقريباً، وإدراج بندٍ يلزم شركة التأمين بتغطية التكاليف في حال حدوث أي خسائر نتيجة اصطدام طائرة بالمبنى أو ما شابه ذلك. مع أن هذا النص لم يكن موجوداً بالعقد الأصلي.
- أُخضعنا لتمرين يخص أنظمة الدفاع الجوي، يحاكي ما حدث بالضبط من هجوم على البرجين بواسطة طائرات.. متسائلاً: أليس غريباً أن يتم تدريبنا على فرضية تحاكي ما حدث بالضبط؟
- أعتقد أنه يستحيل على (19) شخصاً، معظمهم لا يتحدث الإنجليزية، القيام بعمل كهذا، دون مساعدة من داخل الولايات الأمريكية المتحدة.
ويخلص اللواء ألبرت إلى إثبات ما سبق أن أكَّده في بداية حديثه: إذن ما قيل لنا، وتسرَّب عبر الإعلام فيما يتعلق بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن هو القصة الحقيقية، فثمَّة شكٍ كافٍ في تلك الرواية، لأنها لا تتوافق مع ما حدث. مختتماً حديثه بعدة أسئلة مفتوحة؛ أحيلها بدوري لأعداء نظرية المؤامرة؛ وعليهم إحالتها بدورهم للإدارة الأمريكية إن لم يدروا لها جواباً:
- من هو العدو الحقيقي؟
- من شارك في تلك الحادثة؟
- من خطط لذلك الهجوم؟
- وماذا كانت أهدافهم؟
- هل الإرهابيون فعلاً هم من يرتدون لباس العرب؟
- أم يا ترى أن من خطَّط لذلك هم من قوى السلطة في البيت الأبيض.
وأضيف هنا لأولئك، سؤالاً واحداً فقط لأسئلة اللواء ألبرت:
- لماذا استدعى المسؤولون الأمريكيون عميل الاستخبارات جون أويل الذي أُرسِلَ إلى اليمن على رأس (350) فرداً من الـ (CIA) والـ (FBI) والجيش، لمعرفة منفذي الهجوم على المدمرة الأمريكية (كول) في ميناء الحديدة عام 2000م، الذي أودي بحياة (17) أمريكياً وإصابة (29)آخرين؛ قبل اثني عشر يوماً فقط من حادثة الحادي عشر من سبتمبر، ليرأس القوى الأمنية المكلفة بحفظ الأمن في برج التجارة في مانهاتن، ومن ثمَّ يلقى حتفه ضمن ضحايا التفجير. مع أن الرجل، كما تشهد له إدارته، كان أذكى عقل استخباراتي في أمريكا؛ صاحب لباقة وحضور أخاذ وعقلية أمنية بامتياز؛ له قدرة هائلة على العمل على أكثر من مهمة معقدة في الوقت نفسه؟
على صعيد آخر، اتفق كثير من الناشطين الأمريكيين اليوم، على مسؤولية بلادهم الأخلاقية تجاه كل ضحية في العالم بسبب هذه الاعتداءات الأمريكية، غير الشرعية، التي تم ارتكابها باسم الشعب الأمريكي. مؤكدين أن ما تفعله القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في أربع عشرة قاعدة عسكرية حول العالم، هو حرب مدنية بكل معنى الكلمة، ثلث ضحاياها من الأطفال الأبرياء. مضيفين أنها ليست حروباً لنشر الديمقراطية كما يزعم القادة السياسيون، بل حروباً للسيطرة على ثروات الشعوب في آسيا وأفريقيا، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وكل المواثيق والأعراف الدولية. مشيرين إلى أن دفاع القوات الأمريكية المزعوم، ليس عن الشعب الأمريكي وأمنه القومي، بل عن إكسون موبيل وشركات البترول البريطانية، فيما أطلقوا عليه تجارة الدم مقابل النفط. مؤكدين مجدداً أن الحرب المزعومة ضد الإرهاب، هي في الحقيقة حرب اقتصادية بالدرجة الأولى، واصفين بلادهم بإمبراطورية الظلم الدموية الرهيبة. مضيفين أنهم أدركوا الحقيقة المرَّة اليوم، فالإرهابيون الحقيقيون هم القوى التشريعية والتنفيذية والقضائية في واشنطن العاصمة. وليس أولئك الأبرياء في أفغانستان والعراق والصومال وغيرها من ضحايا أمريكا، الذين يدافعون في مقاومة شرعية ضد احتلالنا غير الشرعي لبلدانهم؛ مشدِّدين على أن الجنود الحقيقيين هم الذين يرفضون هذه الحروب الاستثمارية الاقتصادية العبثية باسم الأمريكيين. محذِّرين أن الأمريكيين لن ينعموا بسلام دون عدالة مع الآخرين. فضلاً عن إستراتيجية (الفوضى الخلاَّقة) التي خططتها الخارجية الأمريكية ورعتها وتعهدت بذرتها، باعتراف هيلاري كلينتون، مرشَّحة الرئاسة الحالية عن الحزب الديمقراطي، في مذكراتها (الاختيارات الصعبة) حيث تحدثت عن دور بلادها في تفريخ إرهاب الدولة، من خلال دعمها لإسرائيل، وإدارتها للحرب الباردة إثر غزو روسيا لأفغانستان، وغض الطرف عن تدخل إيران في دول المنطقة (وليس الاتفاق النووي ببعيد).
وأختم هذه الفقرة بتأكيد كبيرهم، مايكل هايدن، رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق في مقابلة على قناة الــ (CNN)، إذ يقول بالحرف: (إن قانون جاستا الذي يخوِّل ذوي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر مقاضاة السعودية، ودورها المزعوم في هذه الأحداث، يعد خرقاً لسيادة الدول). مضيفاً: (بإمكان السعودية أن ترد، بل بإمكانها الانتقام، لكن لا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك، لما يربط بيننا من علاقات وثيقة.
ومن وجهة نظري المتواضعة، أرى أن كثيراً من الخطوات التي يدعو لها بعض الأشخاص ضد السعودية، ستكون مؤذية لأمريكا. فحين تخرق أمريكا الحصانة السِّيادية، فإن أكثر دولة يمكنها أن تخسر جراء هذا السلوك هي أمريكا نفسها). مؤكداً أن: ( كل التحقيقات الحالية والسابقة أثبتت عدم وجود أية صلة بين الحكومة السعودية أو مسؤولين سعوديين وبين هجمات الحادي عشر من سبتمبر بأي شكل من الأشكال).
ولاحظوا معي جيِّداً، أن هايدن هذا، طيلة حديثه لم يذكر دولة غير السعودية، مما يوحي أن (جاستا) مفصَّل لاستهداف السعودية دون غيرها من سائر دول العالم. الأمر الذي يؤكد ما ذهب إليه مجدي خليل، رئيس مراكز الشرق الأوسط للحريات في واشنطن (ابن أمريكا المدلَّل)، حين قال: (أصبحت السعودية اليوم تشكل حجر عثرة أمام حلم أمريكا بشرق أوسط جديد). وقد صدق الرجل وهو كذوب، إذ أسدى لنا خدمة من حيث أراد توريطنا حسب فهمه؛ مؤكداً وجهة نظري التي أطرحها دائماً في كل مقالاتي تقريبـاً، من أن بلادنا الغالية العزيزة المباركة هذه، أصبحت اليوم رقماً صعباً في سياسة العالم واقتصاده وتحقيق أمنه واستقراره؛ يصعب تجاوزه، إن لم يكن يستحيل، حتى على أمريكا الدولة الأعظم في العالم. وهذا هو مربط الفرس الذي قضَّ مضجع الغرب، لاسيما أمريكا التي لم تكن تعتاد على قائد في المنطقة مثل والدنا خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، البطل الفذ؛ الذي يحشد الحشود بإشارة، وتفد إليه الوفود طائعة مختارة، ناشدة النصح والتوجيه والعون والاستشارة، ويتخذ قرارات حاسمة تحدد مصير الأمة، دون طمع في جزرة الغرب مهما كانت ثمينة، أو خوف من عصاه مهما كانت غليظة.