حمّاد السالمي
- النشر الإلكتروني في الإعلام الحديث؛ عبر كافة وسائطه وقنواته؛ فيما يطلق عليه اليوم: (سوشيال ميديا social media)؛ الذي من منصاته الشهيرة: (الفيس بوك، والتويتر، والواتس أب، واليوتيوب)، وغيرها؛ هو نعمة ونقمة في آن واحد. ثورة معلوماتية وإعلام جديد فيه الغث وفيه السمين.. له إيجابيات كثيرة، وله سلبيات كثيرة كذلك.. هل هذه هي القضية التي جئت هنا للكلام عليها اليوم في مقالي هذا..؟.
- القضية التي أنا بصدد الكلام عليها هنا؛ هي ما ينتج ويرشح عن هذا الكم الهائل من النشر الإلكتروني عبر هذه الوسائط الاجتماعية التي (قرّبت البعيد، وأبعدت القريب) - كما كان يتنبأ بهذا آباؤنا وأجدادنا عليهم رحمات الرحمن الرحيم. كنا نسمعهم في زمنهم الجميل الذي لم ينتظر هذه الثورة المعلوماتية؛ وهم يتداولون شئون دنياهم في ريبة وتوجس مما هو قادم، وخوف ظاهر على مستقبل أبنائهم وأحفادهم من بعدهم فيقولون: (آخر الزمان؛ ينطق الحديد، ويَبعد القريب، ويَقرب البعيد). وها قد تكلم الحديد.. بل وطار وحلق في السماء، فلامس الكواكب القريب منها والبعيد، ثم قرّب البعيدين من الناس وأبعد الأقربين.
- إن قضيتنا أمس واليوم وغدًا؛ هي في موقفنا نحن المتلقين -وخاصة في بلادنا المنصورة هذه- موقفنا مما يذاع ويبث ويعرض وينشر.. كيف نستقبل هذا الكم المعرفي العظيم الهائل عبر هذه الوسائط والقنوات الجديدة..؟ كيف نتعامل مع نشر إلكتروني موجه في كثير منه إلى قناعاتنا الدينية والوطنية والفكرية، وحتى الأخلاقية، بكل حرفية ومهنية وخبث. أليس منا ملايين من المتلقين الذين يأخذون كل أو معظم ما يصلهم من منشورات إلكترونية على محمل الجد..؟ وأنها صحيحة وصادقة..؟ يتأثرون (إيجابًا) بما يقرؤون أو يسمعون أو يشاهدون، مما يستهدفهم إعلاميًا عبر أجهزتهم الذكية..؟ ثم يزيدون الطين بلّة؛ فيمررون هذا السم الإلكتروني المغلف بصور إعلامية وثقافية إلى شرائح واسعة من المجتمع من خاصة الناس وعامتهم، ومنهم صغار سن، ومتوسطي تعليم، وقليلي علم، دون تفكير أو تمحيص أو تدقيق فيما يمرر لهؤلاء المتلقين البسطاء في غالبيتهم.
- إن قضيتنا اليوم مع هذا الغزو اللذيذ الناعم، هي في عقليتنا الساذجة المبرمجة على التسليم والتصديق، واستقبال كل منشور كما هو على علاته وخلاته، دون تفكير أو تمحيص، أو تشكيك وتريث.
- قضيتنا التسليمية هاته يا سيدات ويا سادة؛ تمهد السبل للتفكير في إيذائنا، وتفتح الشهية للتشويش علينا، وتشجع كافة أعدائنا من حكومات ومنظمات؛ على العمل ليل نهار، بهدف اختلاق إشكالات من لا شيء، وحياكة المؤامرات، وبث الأكاذيب والدعايات المغرضة، التي تشككنا في الكثير من مواقفنا، وتهز ثقتنا في أنفسنا، وتهدد علاقاتنا بحكومتنا ومؤسساتنا، وببعضنا البعض أيضًا.
- السؤال: كيف نعالج هذه القضية التي تصل بنا إلى حد الغفل مع كل أسف..؟
- قبل أن نتصدى لما يُخطط ضدنا بذات السلاح إن استطعنا؛ يجب أن نتصدى للعقلية التبسيطية والتسليمية في ذواتنا. هذا لن يتم حتى تتحصن عقلياتنا بمنهج الشك فيما تتلقى من زخم معلوماتي عبر الوسائط الاجتماعية.. الشك هو الغربال الفكري لما يطرح من معلومات. فيه تجري عمليات التدقيق والتمحيص، بهدف الوصول للحقيقة كما هي دون تزييف أو تخييل في ذهنية المتلقي. إن الشك الذي يبعث على الأسئلة؛ هو من أهم مبادئ علم الفلسفة الذي حاربناه وأهملناه وأقصيناه من مؤسساتنا العلمية والتعيلمية زمنًا ليس بالقصير. هذا هو منهج العالم (رينيه ديكارت) الذي يقول بالعقلانية، وهو المسمى: (الشك المنهجي). مما قال ديكارت في هذا الخصوص: (لن نقبل بعد اليوم أي فكرة إلا بعد أن نضعها على محك التفحص العقلي أو الغربلة المنهجية، وسوف نشك في كل شيء حتى تثبت صحته).
- كم ربحنا وكم خسرنا من تعاطينا مع الإعلام الحديث في (السوشيال ميديا)..؟ لو تتبعنا سلوكياتنا وردود أفعالنا في هذه السوق المعلوماتية الخطيرة؛ لوجدنا أن خسائرنا على المستويات الجمعية والفردية تفوق أرباحنا بكثير جدًا. طال الأذى حتى أفكار بعض الناس الذين وقعوا ضحايا جماعات متطرفة وإرهابية، كرهتهم في الحياة، وحببت إليهم الموت على حساب والديهم وإخوتهم وأقاربهم.
- رحم الله أستاذي وشيخي في الإدارة المدرسية: (سعود الحاقان)، الذي كان ينصحني ويقول لي: (يا ولدي.. اللي تسمعه بأذنك لا تصدقه.. اللي تشوفه بعينك صدق نصفه فقط).
- ماذا لو طبقنا هذه القاعدة (الحاقانية) الفذة؛ على طريقتنا في التعاطي مع المنتج المعرفي في (السوشيال ميديا)..؟ أليست هذه هي: (الشك المنهجي) بعينه؛ الذي يقود إلى الحقيقة دون إضرار بطالبها..؟!.