في محاضرته التي ألقاها في جامع الإمام تركي بن عبدالله بمدينة الرياض وعلق عليها سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وكان عنوانها «الحملات الإعلامية على المملكة العربية السعودية.. حقيقتها وأبعادها»، طرح معالي الشيخ الاستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أربعة محاور لموضوع المحاضرة ويبسط الحديث عن اثنين منها، ويترك التفصيل في المحورين الآخرين لمحاضرة أخرى.
وكان قد ابتدأ الحديث بقوله: إنه يسرني ويشرفني ويسعدني أن التقي معكم في هذا الجامع المبارك وفي رحاب سماحة والدنا الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارات البحوث العلمية والإفتاء، عبر مناشط وبرامج ومحاضرات وندوات قيمة مهمة مفيدة، تُلقى في هذا المكان بدعم وتوجيه ورعاية وحضور وتسديد ومباركة من سماحته - حفظه الله-، وقد رأينا النفع الكبير والفوائد الجمة والإيجابيات المهمة التي تحققت من خلال هذه اللقاءات وهذه الفعاليات الأمر الذي معه أصبحت المشاركة فيها مطمعًا ومطمحًا لكثير من العلماء وطلبة العلم..
نلتقي في مساء هذا اليوم الخميس الثالث من شهر صفر من عام 1438 للهجرة، لنطرح موضوعًا مهمًا وحساسًا ودقيقًا، نحن أحوج ما نكون فيه للاستماع لكل ما يتعلق بمفاهيمه وجميع جوانبه وأحواله وتحولاته، وهو موضوع له أهميته وله آثاره الإيجابية إذا أحسنا الإلقاء والطرح فيه وفهمنا كل المعاني والمقاصد التي أريدت من خلال الطرح والمعالجة، إنه موضوع «الحملات الإعلامية على المملكة العربية السعودية.. حقيقتها وأبعادها»، ولكي يكون لأمر واضحًا وجليًا ومتسمًا بالتركيز والبيان الشافي الكافي، الذي يعطي الدواء الناجع الناجح، لا بد أن أقدم لكم بما سأتحدث عنه في هذه المحاضرة، فأقول: إن حديثي وكلامي وطرحي فيها سيكون عبر أربعة محاور هي:
المحور الأول: مدخل إلى الموضوع ويشتمل على ثلاثة عناصر:
- تاريخ الحملات الإعلامية ضد الإسلام وبلد الإسلام المملكة العربية السعودية.
- أهمية الإعلام في حياة الفرد والمجتمعات.
- نماذج من الحملات الإعلامية في القديم والحديث.
المحور الثاني: مكانة المملكة العربية السعودية ومنزلتها على المستوى الإقليمي والعربي والإسلامي والدولي.
المحور الثالث: حقيقة هذه الحملات الإعلامية ويشتمل على الأمور الآتية:
- العداء للإسلام الصحيح الموافق لمنهج أهل السنة والجماعة، والمستمد من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف هذه الأمة.
- الابتداع في الدين ونشر البدع.
- الحقد والحسد على بلاد التوحيد والحرمين الشريفين.
- الجهل والهوى والنفاق ومرض القلب.
- الفراغ المقرون بالشباب.
- الإرجاف وإخافة الآمنين.
- اتباع الجماعات والأحزاب والتنظيمات المنحرفة.
المحور الرابع: أبعاد هذه الحملات الإعلامية ويمكن تركيزه في الأمور الآتية:
- النيل من عقيدة التوحيد وأهل السنة والجماعة.
- نشويه الصورة الحقيقة للمملكة العربية السعودية، ومنهجها الصحيح الواضح القائم على الكتاب والسنة، وتطبيق شريعة الله.
- زعزعة وحدة هذه البلاد الشرعية والوطنية وتماسكها.
- خلخلة الأمن والأمان الذي ينعم به وطننا الغالي.
- العمل على إضعاف كيان الأسرة وأهميتها في المجتمع السعودي، والتأثير على تماسكها.
- إغراق المجتمع بالمخدرات والمؤثرات العقلية التي تقضي على الجسد والعقل وخصوصًا بين الشباب.
- ضرب أخلاق وسلوكيات أبنائنا وبناتنا.
- محاولة زرع الفرقة والاختلاف بين فئات المجتمع.
- إذكاء روح الطائفية في بلادنا.
- زرع الشبهات والشهوات المضلة والباطلة.
- إيجاد الفجوة بين الناس وولاة أمرهم في هذه البلاد، عبر دعاوى باطلة وآراء مضللة وتأويلات فاسدة وشبهات منحرفة.
- إبعاد الشباب عن علمائنا الراسخين الموثوقين.
- إبراز بعض الشخصيات الصحوية التي تنتمي إلى جماعات وأحزاب ذات مطامع سياسية دنيوية.
- دعم الآراء والأفكار التي تتبناها بعض الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة.
- تبني بعض الشبهات التي تثار ضد المملكة العربية السعودية، في مجالات متعددة وعبر منظمات وهيئات تسمي نفسها حقوقية.
- العمل على النيل من كل ما له صلة بالتربية السليمة والتوجيه الصحيح القائم على مبادئ الكتاب والسنة وأحكام الشريعة، ووصف ذلك بالقدم والتقليدية.
ثم قال: هذا هو موضوعنا بشكل مركز ومعتصر المختصر، وكل واحدة من مفرداته وأموره وعناصره ونقاطه تحتاج إلى طرح ومعالجة في محاضرات مستقلة، لكن نقول مستعينين بالله طالبين منه التوفيق والتسديد في القول والعمل وأن يفتح علينا مما يعيننا على ما نحن بصدده من هذا الموضوع مبتدئين بـ:
المحور الأول: مدخل إلى الموضوع ويشتمل على ثلاثة عناصر:
- تاريخ الحملات الإعلامية ضد الإسلام وبلد الإسلام المملكة العربية السعودية:
إنك عندما تسبر أغوار التاريخ وتحقق فيما جاء فيه ترى أن العداء للإسلام ليس وليد اللحظة ولا اليوم، بل إنه وجد مع وجود الإسلام عبر وسائل وأدوات ومناهج وطرق تتوافق مع كل مرحلة وزمن يخدم تلك الحملات، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما دعا إلى ربه وصرح بدعوته اتهم بأنه مجنون وأنه ساحر وأنه كاهن وأنه يعمل على حرف وصرف الناس عن عقائدهم وأديانهم التي أخذوها عن الآباء والأجداد، بل أعظم من ذلك وأنكى شرًا وأكبر خطرًا هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسلم من عداء المشركين واليهود قولاً أو عملاً، وما حادثة الإفك بعيدة عن ذهن كل من يتلو كتاب الله ويتأمل فيه ويتدبر معانيه ويعرف مقاصده وأسراره، فالله عز وجل يقول: (لَوْلا إِذ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأنفسهم خيرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ)، ويقول سبحانه: (وَلَوْلا إِذ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أن نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)، إلى غير ذلك من الحوادث والقضايا والنوازل التي وقعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مما جعل بعض من ينتسبون إلى الإسلام إما نفاقًا وإما جهلاً يرمون النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأقاويل والأراجيف والأباطيل.
ولذلك ثبت في الحديث الشريف عن أصل نبته الخوارج التي تعد أول بدعة ابتدعت في الإسلام كما أخرج ذلك البخاري ومسلم في صحيحيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما عاد قافلاً من غزوة حنين وجعل يقسم الغنائم فأعطى صناديد نجد أكثر من غيرهم تأليفًا لقلوبهم وجلبًا لهم إلى الإسلام.. فعن أبي سعيد قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبدالله بن ذي الخويصرة التميمي فقال اعدل يا محمد فقال ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قال عمر بن الخطاب دعني أضرب عنقه قال دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وفي رواية «لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد»، وفي رواية صحيحة أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ولئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد».
هذا أنموذج وهناك نماذج أخرى وكثيرة، وظل هذا المنهج والطريق لأعداء الدين مع الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، والقصص والحوادث في ذلك كثيرة، وأبرزها موقف هذه الفئة الخارجة المارقة من أمير المؤمنين ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم كذلك ما حصل منهم مع أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه، وعن صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم.
استمرت الأحوال على هذا المنوال عبر عقود وقرون سادت فيها أمم الإسلام على مختلف قوتها وأثرها وتأثيرها إلى أن جاء العصر الحديث وهيأ الله عزّ وجلّ لهذه الجزيرة العربية أئمة عرفوا واجبهم وأدركوا ما هو معول عليهم فيما يخرج الناس مما هم فيه من ضلال وشرك وبدع وخرافات وجهل وظلم وتفرق وتمزق، فناصر الإمام محمد بن سعود الإمام محمد عبد الوهاب، -رحمهما الله- وتعاهدا وتعاقدا وتعاضدا وتعاونا ورسما طريقًا صافيًا نقيًا واضحًا على منهج الوحيين الكريمين يستمدان منهما كل ما يحتاجون إليه في أمور دينهم ودنياهم وما يحقق لمجتمعهم السعادة والسيادة والريادة، الأمر الذي برزت معه إمارة آل سعود وإمامة الشيخ محمد عبد الوهاب -رحمهم الله- وكان صيتها وصولتها وجولتها قد بلغت الآفاق وتعدت الحدود مما جعل أعداء الإسلام يموتون غيظًا، وأعداء الدعوة - ممن يرون لهم حقًا وليس لهم حق - يثيرون القلاقل والمشكلات ويحاولون النيل من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن ولاية وإمارة آل سعود بالدعاوى الباطلة والأكاذيب التي نقرؤها ونطالعها في سيرة هذين الإمامين العلمين الجليلين، ولذلك ومن أجل تنفير الناس عن هذه الدعوة الصحيحة القائمة على أصول الشريعة وقواعدها وثوابتها يسمون اتباعها بالوهابية حقدًا وحسدًا وغلاً وكرهًا من أجل أن تبقى البدع وتنتشر الخرافات والدلالات، ولكن ذلك وبتوفيق من الله وإعانته للإمامين ومن جاء بعدهما من أئمة آل سعود لم يتأثر ولم يتأخر، بل كان يزداد قوة وتماسكًا وأثرًا وتأثيرًا الأمر الذي جعل هذه الدعوة تصل إلى بلاد الهند والسند والعراق وغيرها من أقطار العالم، ثم وصل الأمر إلى ما وصل إليه في الجزيرة العربية مما جعل هذه الدعوة تخف أو تضعف نوعًا ما لوجود التنافر والتنابز والتنافس والشقاق والعصبية والقبلية والجهل وغير ذلك من المؤثرات الخارجية، التي كان لها دور بارز وظاهر فيما حصل في ذلك الزمن، ثم تفضل الله عزّ وجلّ على هذه الأمة وهذه البلاد برجل همام وقائد صالح وملك عادل ورجل مجاهد إلا وهو الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- الذي نذر نفسه وجنّد أهله وولده وسخر كل إمكاناته المادية والمعنوية من أجل إعادة تاريخ آبائه وأجداده ومُلك يقوم على التوحيد والدعوة لا لمطامع ومصالح دنيوية، حيث كان الأمر في وقته وزمن عودته لا يسر عدوًا ولا صديقًا مما جعله يحرص حرصًا شديدًا ويبادر مبادرة واضحة إلى أن يل إلى هذه البلاد ويلم شملها ويوحد كلمتها ويؤطر صفوفها ويجعلها أمة واحدة متوحدة في وطنها وعقيدتها وشريعة ربها، فأبدل الله عزّ وجلّ حال هذه الأمة بما تفضل الله به عليها وبما جاء به الملك عبد العزيز خيرًا وفضلاً ونعمًا وتعاونًا على البر والتقوى وبرًا وإحسانًا وعدلاً ورحمة وألفة ومحبة أصبحت مضرب المثل ومحط النظر، حيث كون دولة أصيلة معاصرة آمنة مطمئنة مستقرة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان، وما ذاك إلا لأنها أخذت بعقيدة التوحيد غضة طرية كما جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهمه علماءُ سلف هذه الأمة منها، تغرف من معينها وتشرب من زلالها وتنهل من معارفها وعلومها، وكذلك طبق شريعة الله عزّ وجلّ دون نقص أو زيادة أو تقصير أو خلل في أي جزء من أجزائها، وقد كان ينظر إلى أن ملكه ليس ملكًا دنيويًا أو سياسيًا، إنما هو دعوة وتوحيد ونشر لشريعة الله عزّ وجلّ، ولذلك لما استقر له الأمر في هذا المكان نادى المنادي الملك لله ثم لعبد العزيز.. فما أعظمها من كلمة وما أبلغها من جملة وما أكثر أثرها لو علمنا حقيقتها وفهمنا معناها وتعلمناها وعلمناها لكل من يحتاج إليها.
فأبدل الله عزّ وجلّ حال هذه الجزيرة بحال أفضل.. أبدل خوفهم أمنًا وجهلهم علمًا وجوعهم شبعًا وعطشهم ريًا واختلافهم لحمة واجتماعًا وتمزقهم وعصبيتهم وقبليتهم وحدة وطنية شرعية قوية مهابة الجانب لا يمكن أن يتعرض لها أحد مهما كانت قوته وصولته وجولته، وظل الأمر على هذا وتنامى وزاد مما جعل أعداء هذه الدولة والدعوة يظهرون عداوتهم ويكشرون عن أنيابهم حتى يؤثروا على ما تفضل الله به على هذه البلاد وأهلها من كل طريق وحدب وصوب، ولكن الله عزّ وجلّ يرد كيدهم إلى نحورهم ويبطل شرورهم كلما أوقدوا نارًا أطفأها الله عزّ وجلّ، وليس ذلك لسواد عيون أهل هذه البلاد ولا لأن بينهم وبين الله نسبًا أو قرابة، إنما قربنا وصلتنا مع الله عزّ وجلّ هو أننا أهل توحيد خالص وعقيدة صافية وتطبيق لشريعة الله (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهُم بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الأمن وَهُم مُّهْتَدُونَ).
وقد تحقق ما يتمناه كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها ممن يحبون هذه البلاد ويفرحون لفرحها ويعملون على الحفاظ عليها في أقوالهم وأفعالهم، بما جعل أعداء الإسلام لا يقر لهم قرار ولا يهدأ لهم بال ولا يرتاحون إلا بالضرب بأي وسيلة استطاعوها، وتسخير المقدرات المادية والمعنوية من أجل زعزعة وحدتها وخلخلة أمنها وتفريق صفها والعمل على أن يكون أهلها متدابرين متناحرين متباغضين، ولكن هيهات أن يتحقق لهم ذلك أو يحققوه ما دمنا نرعى دين الله ونأخذ بالإسلام الصحيح ومنهج السلف الصالح وأهل السنة والجماعة فهي الحصن الحصين بعد الله عزّ وجلّ والدرع الواقي والجبل الصلد والصخرة التي تتفتت عليها هذه العداوات وهذه الحملات التي نراها ونطالعها عبر وسائل الإعلام التقليدية وما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام الجديد الذي سنتحدث عنه من خلال العنصر الثاني من عناصر المدخل لهذه المحاضرة والموضوع، إلا وهو أهمية الإعلام.
أهميه الإعلام في حياة الفرد والمجتمعات:
الإعلام له شأن كبير وأثر بالغ وتأثير قوي ليس من هذا العهد أو هذا العصر، بل منذ عقود طويلة، بل حتى في صدر الإسلام يقول الله عزّ وجلّ: (وإذا جَاءَهُمْ أمر مِنَ الأمن أو الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ) ويقول سبحانه وتعالى أيضًا: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إلا قليلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً).
وهذه الشائعات والحملات الإعلامية على قدر محدوديتها وفي زمن متقدم كانت تحقق بعض الأثر لمروجيها ومشيعيها ومذيعيها ومتبنيها، كما حصل في بعض غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وفي حادثة الإفك وفي غير ذلك مما يطول الحديث عنه، وقد تطورت وسائل الإعلام تطورًا هائلاً وعملت الشركات المنتجة التي لها دور فاعل في ذلك على استحداث أجهزة وتقنيات وإلكترونيات قد لا يصدقها الإنسان والعقل لو ذكرت له قبل أن يراها ويتعامل معها تعاملاً واقعيًا، وقد كان يقال في الماضي القريب إن العالم قرية، ثم قيل إن العالم غرفة، ثم قيل إن العالم جهاز لا يوازي نصف الكف وهو الهاتف النقال، ثم الآن أصبح العالم في أجهزة توازي الساعة أو القلم، تحصل من خلالها على كل ما تريد من أمورك الدينية والدنيوية بكل يسر وسهولة، ولذلك صارت لوسائل الإعلام من الأهمية ما يجعلها تنقسم من حيث أهميتها وأثرها وتأثيرها إلى قسمين:
القسم الأول: وسائل الإعلام النافعة:
وهذه الوسائل تكون نافعة إذا استثمرت أو استغلت فيما ينفع الفرد والمجتمع ويحقق المصالح ويدرأ المفاسد، ولذلك فإن التعامل معها وفيها وإدارتها تحتاج إلى مهارة واحتراف وأن يراقب الإنسان إذا أراد أن يستثمرها في الخير ما يدمج فيها، ويعبئها من المعلومات والفوائد والأحكام، وهنا يكون عمله جيدًا ومفيدًا ونافعًا ولا يستطيع أحد أن يدخل عليه أو ينتقد عمله أو يأخذ منه عملاً يُستغل ضد دين الله وبلاد الإسلام.
القسم الثاني: وسائل الإعلام الضارة:
وهي لا تقل أهمية عن القسم الأول، والملاحظ أن جلّ من يتعامل مع هذه الوسائل على هذا القسم يجعلها أداة ذات حد خطر بل وفي الأحيان قاتل ومميت، ويذكر لي بعض الباحثين أن هناك دراسة أعدت عن استخدام هذه الوسائل الجديدة والحديثة التي يستخدمها عموم المسلمين بل العالم أجمع، فتبين له عبر إحصائيات دقيقة واستمارات ملأت بمعلومات وحقائق وأرقام أن الغرب الذي صنع وأحدث واخترع هذه الوسائل يستفيد منها بنسبة 85 في المائة بما ينفع وخصوصًا في أمورهم الدنيوية، وأن نسبة 80 في المائة إلى 85 في المائة من استخدامها في البلاد العربية والإسلامية استخدام سيء وسلبي ويضر الفرد والأسرة والمجتمع وأوطان المسلمين، وما حوادث ما يسمى بالربيع العربي وأنا أسميه «الشر العربي» عنا ببعيد، فقد استخدمت هذه الوسائل في إفساد أمن وأمان واجتماع بلدان وأوطان بكاملها وهي الآن في مهب الريح ممزقة متفرقة يعيث فيها أهل الفتن والشر فسادًا، ولذلك لا بد أن ننتبه لهذا الأمر وأن نكون يقظين فطنين حصيفين فيما يخص استخدامنا الخاص لهذه الوسائل وكذلك استخدام أبنائنا لها، فلا بد في ذلك من المتابعة الجادة وعدم الغفلة عن فلذات الأكباد لأنهم يُتخطفون من حولنا ويتلقفهم دعاة السوء والباطل الواقفون على أبواب جهنم يقذفون فيها كل من أجابهم إليها.
يُذكر أن من اخترع آلة البلاي ستيشن فرض على ابنه ألا يستخدمها في اليوم والليلة إلا 45 دقيقة فقط، وإذا زاد على ذلك عاقبه، ونحن نرى أبناءنا يجلسون بالساعات الطوال وربما كان أغلب اليوم ابننا أمام هذا الجهاز لا يحرك ساكنًا ويترك الصلوات والدعوات، بل حتى دراسته وأموره المهمة تعصف بها هذه الآلات، وهذا ما يجب التحذير منه مما هو داخل في الحملات الإعلامية الموجهة إلى المملكة العربية السعودية بشكل خاص وإلى بلاد وأوطان المسلمين بشكل عام حتى لا نؤتى من قبل أنفسنا ويحدث ما لا يحمد عقباه ولا ينفع بعد ذلك الندم.
نماذج من الحملات التاريخية في القديم والحديث:
النماذج كثيرة وقد سقنا بعضها فيما ذكرناه في العنصر الأول وهو تاريخ هذه الحملات، ولكن أذكر مثالين ونموذجين عصريين لا بد من الإشارة إليهما:
النموذج الأول:
وهو ما يسمى بقانون «جاستا» الذي أطلق وفعّل لمقاضاة من سمي بالدول الراعية للإرهاب، ثم وُجهت بعده الحملات الإعلامية لاتهام المملكة العربية السعودية بأنها تتبنى الإرهاب وتدعمه بوسائل وطرق مختلفة، مما جعل كثيرًا من الهيئات والمنظمات الحقوقية ترفع عقائرها لاتهام المملكة العربية السعودية في ذلك، وجعل فئات وطوائف وجماعات وأحزاب وتنظيمات معلومة معروفة كلها تعادي المملكة العربية السعودية وتعمل على إثارة الأحقاد والضغائن ضدها أن تستثمر هذه الاتهامات فيمل تقوم به في هذا الشأن.
النموذج الثاني:
هو ما يتعلق بشقيقتنا اليمن، فالمملكة العربية السعودية وبقيادة ورأي حصيف وسديد وعمل جازم حازم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- هبت لنصرة أشقائنا في اليمن وإعادة الشرعية إلى أهلها في مواجهة طغمة حاقدة خبيثة فاسدة تعمل وسط أيديولوجيا سياسية عقدية اجتماعية تحقق أهداف ومطامع الدولة الصفوية الفارسية بكل سفور ووضوح دون أي مواراة، وعلى الرغم مما تبذله المملكة العربية السعودية في هذا المقام من جهود عظيمة وأعمال جليلة مدنية وعسكرية واجتماعية وإسعافية وصحية وخدماتية وإغاثية، إلا أن أولئك يزدادون في غلهم وفي إثارتهم للمشكلات والقضايا وبعث كل ما من شأنه عدم إنهاء هذه النار لأن الذي يذكيها عدو بغيض مبغض ليس من الآن بل منذ صدر الإسلام، ولذلك نرى أن بعض وسائل الإعلام سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة أو ما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي توجه سهامها المسمومة وآراءها الباطلة وانتحالاتها المزيفة ودعاويها المضللة إلى هذه البلاد وأهلها من كل حدب وصوب، ولعل ما حدث أخيرًا من إطلاق صاروخ باليستي على الأراضي المقدسة ومكة على وجه الخصوص هو أعظم شاهد وأكبر برهان، وكل العالم أنكر واستنكر هذا الحادث الأليم العظيم الشنيع، الذي لا يصدقه مسلم ولا غير مسلم أن تستهدف قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، إلا أن تلك الدولة الحاقدة الفارسية الصفوية لم تفعل ذلك مما يدل على أنها موغلة في مثل هذا العمل وداعمة له عبر كل أعمالها وجهودها التي آن الأوان أن تبطل وأن تخسر وأن تندحر وأن ترد على أعقابها، ولا أقول ذلك من نفسي، إنما أقوله تحقيقًا لما وعد الله به في كتابه الكريم حيث قال في محكم التنزيل (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، وليس أعظم من هذا العمل إلحاد وليس أكبر من الفساد إفساد وليس أشنع من هذا الجرم جرم.. نفوس مريضة خبيثة تعلمت الغدر والنفاق من أهله وسادته الذين يتبنون كبر هذه الأمور، فالله عزّ وجلّ في هذه الآية توعد وعدًا شديدًا واضحًا لا لبس فيه ولا التباس ولا إشكال كل من أراد أوهم أن يسيء لحرم الله.. فالله عزّ وجلّ توعّد من هم أو أراد ببلده الحرام إلحادًا بالعذاب الأليم والنكال الشديد في الدنيا والآخرة، وقد قال جمع من أهل العلم إن ذلك يشمل صغيرة السيئات وكبيرها إلى الإشراك بالله، فكل من هم بصغيرة أو أراد كبيرة في الحرم فإنه يعاقب على ذلكوليس ذلك إلا في الحرم، لأن الإنسان لو همّ أو أراد فعل معصية في أي مكان في هذه الدنيا لم يعاقب عليه إلا في بيت الله الحرام.
وقد ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- بعد أن ساق الآيات الدالة على ذلك والمؤيدة له أن الله عزّ وجلّ حقق هذا العذاب في قصة أبرهة وأصحاب الفيل الذي نزلت فيهم سورة تتلى إلى يوم القيامة فقال: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأصحاب الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)، ثم قال: وهذا فيه درس وعبرة ونكال لكل من أراد سوءًا بالكعبة وبمكة، وساق حديثًا أخرجه الإمام مسلم في صحيحه حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يغزو هذا البيت جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف الله بأولهم وآخرهم).
فإذا تجاوز الإنسان الهمّ والإرادة بأن أفسد وألحد في بيت الله الحرام، أو في مكة المكرمة، فماذا يكون عقابه وعذابه؟ إنه خزي في الدنيا وعذاب أليم وشديد في الآخرة، لأن الله عزّ وجلّ كرم بيته العظيم، وجعل له منزلة ومكانة ليست لغيره من الأماكن، كما أن هذه الأهمية له مستقرة في قلوب المؤمنين الموحدين وترتع في نفوسهم وتؤثر على أقوالهم وأفعالهم وبالتالي لا يقدمون على أي فعل يضر بأمنه وأمانه وطمأنينته واستقراره، يقول الله عزّ وجلّ: (إِنَّ أول بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مباركًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إبراهيم وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)، ولذك فإن من كان في هذا الحرم يجب أن يكون أمنًا وأن يؤمّن ولا يتعرض لأي سوء وبأي حال من الأحوال، والله عزّ وجلّ يقول في كتابه عن أبينا إبراهيم: (رب اجعل هذا البلد أمنًا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)، ويقول في الآية الأخرى عندما ترك ذريته بواد غير ذي زرع عند بيته المحرم: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بلدًا أمنًا وَارْزُقْ أهله مِنَ الثَّمَرَاتِ)، وأقسم الله عزّ وجلّ بهذا البيت الكريم، ولا يقسم الله إلا بعظيم فقال: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ)، وأبلغ من ذلك وأبعد أثرًا في النفوس المطمئنة والقلوب الصحيحة المستقيمة قول الله عزّ وجلّ: (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيِلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)، وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم «قال فيما رواه أبو ذرٍّ - رضي الله عنه -: يا رسول الله! أي مسجدٍ وُضِعَ في الأرض أول؟ قال: المسجدُ الحرام، قال: قُلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: المسجدُ الأقصى قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عامًا ثم الأرض لك مسجد فحيثما أدركتك الصلاة فصل»، وثبت أيضًا في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأرض، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلا سَاعَة مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوكُهُ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلا يَلْتَقِطُ لُقْطَتهُ إلا منْ عَرَّفَها، وَلا يُخْتَلى خلاهُ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إلا الإِذْخِرَ، فإنه لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ. فَقَالَ: إلا الإِذْخِرَ)، وفي الحديث الصحيح أيضًا عند البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أفضل مِنْ ألف صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أفضل مِنْ مِائَةِ ألف أو مائة صلاة)، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو يودع أمته في حجة الوداع عبر تلك الخطبة البليغة والوثيقة الكريمة قال: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا»، فأي عظمة أعظم من هذا وأي مكانة أكرم من هذا وأي قيمة ومنزلة يمكن أن تضاهي هذا؟!
فكيف يجرؤ من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن يفعل أي فعل يخيف الآمنين ويخل بأمن الحرمين وبلادهما وبمجتمعهما؟ إنها الأهواء والبدع والخرافات والشعارات والحملات الإعلامية المغرضة ضد بلاد الحرمين وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ومتطلعهم والمعينة لقضاياهم المملكة العربية السعودية.
المحور الثاني: مكانة المملكة العربية السعودية ومنزلتها على المستوى الإقليمي والعربي والإسلامي والدولي
إن مما يفخر به كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها وخصوصًا أبناء هذه البلاد والمقيمين فيها أنهم ينتسبون إليها ويعيشون على ثراها ويدافعون وينافحون عنها باللسان والسنان وكل ما يستطيعونه من قول أو عمل، هذه البلاد هي قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم وبلاد الحرمين الشريفين.. هي وطن الإسلام.. وطن القرآن.. وطن السنة.. وطن التوحيد.. خير الأوطان.. وطن قام على الكتاب والسنة، بلد رعى العقيدة وغذاها ونماها وأطرها وتمسك بها ونشرها ووعّي فيها وعمل على ترسيخها وترسيتها في نفوس أبنائه وبناته، وكل أرض تطأه قدم دعاته وعلمائه وأساتذته وأئمته وخطبائه دون منّة أو أّذى.
بذل سخي وعطاء وافر ومنهج قويم وطريق سليم وقيادة راشدة شرعيه لا يمكن أن تخالف دين الله أو تبتعد عنه، ولذلك ثبتت أقوال أهل العلم على فضل هذه البلاد وخيريتها وما فيها من الشمائل والكمائل والفضائل، حتى قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: «العداء لهذه الدولة عداء للدين»، وقال سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: «لو ما يأتي من هذه البلاد إلا تحقيق التوحيد لكفى»، ولا نعلم دولة تطبق شرع الله في هذا العصر مثل هذه البلاد المباركة، وهذا هو ما يقرره أئمة الدعوة من قبلهم وأئمة الدعوة في هذا الزمن وعلى رأسهم سماحة شيخنا وإمامنا العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، ومعالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان وغيرهم من شيوخنا الأفاضل حفظهم الله.
هذه الدولة جعلت همها دعم المسلمين وقضاياهم في مشارق الأرض ومغاربها، هذه الدولة أقامت كل ما يعنى ويخدم كتاب الله تلاوة وحفظًا وتفسيرًا وتأويلاً من مجمعات ومسابقات وحوافز وجوائز داخلية وخارجية، هذه الدولة أقامت المراكز الإغاثية والخدمات الإنسانية داخل حدودها وفي كل مكان يمكن أن يصل إليه هذا المد الخير.. هذه الدولة في نظامها الأساسي للحكم في مادته الأولى والسابعة يقول: إن كل أمر أو مادة تخالف الكتاب والسنة في هذا النظام فهي غير مقبولة ومضروب بها عرض الحائط.. هذه الدولة ولاة أمرها وعلماؤها هم قادة وسادة في العلم والدعوة والتوجيه والعناية بكتاب الله عزّ وجلّ.. هذه الدولة قادتها وولاة أمرها دائمًا في المقدمة في رعاية الحقوق والعدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه، وهم كذلك من يرسخون مبادئ وأحكام دين الله في كلماتهم وتوجيهاتهم وأقوالهم.. هذه الدولة كل يتمنى أن يحضر ويجلس إمام علمائها واستاذتها ومشايخها لينهل من علومهم ومعارفهم ويستفيد منهم.. هذه الدولة أقامت الجامعات والكليات والمراكز والكراسي عبر قارات العالم لخدمة دين الله ورسالة الإسلام وفق منهج وسطي معتدل متسامح يؤطر التعايش والحوار والتعارف على حد قول الله عزّ وجلّ: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شعوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا).. هذه الدولة ولاة أمرها دائمًا وأبدًا ما يبحثون عمّا يحتاجه صغار الناس قبل كبارهم، ضعافهم قبل أقويائهم، فقراؤهم قبل أغنيائهم.. هذه الدولة قلوب ولاة أمرها ومسؤوليها مفتوحة قبل أبوابهم.. هذه الدولة تبني ولا تهدم تعطي ولا تحرم تفي ولا تغدر، وهذا هو السر في ثباتها وقوتها وعظمتها وكرامتها وعلو شأنها واستمراريتها، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن تزداد وأن تنمو وأن يعرف أبناؤها قدرها وما تمتلكه من مقدرات ومقدسات ومكتسبات وأمور لا توجد في أي مكان من العالم، ليعرفوا أنهم محسودون مقصودون، وجهت لها وإليهم هذه الحملات الإعلامية التي إذا لم يعرفوا أن كل واحد منا عليه واجب في دفعها ومدافعتها والرد عليها؛ فإنه ليس بيننا وبين الله عهد ولا نسب، فإن الذي أصاب غيرنا لا قدر الله إذا لم نكن على فطنة وذكاء وحصافة وانتباه قد يصل إلينا.
ثم ختم د. سليمان أبا الخيل محاضرته بالدعاء لهذه البلاد المباركة وقادتها الأماجد وأبنائها الأوفياء وأبطالها المرابطين على حدودها ورجال أمنها البواسل بالحفظ والنصر والتأييد والعون والتوفيق، وذكر بالمحورين الثالث والرابع وأنه سيتم تناولهما بالطرح والمعالجة في محاضرة قادمة.