ولد في بيشة تزامناً مع اغتصاب فلسطين في حرب 1948 م ، وبعد مولده «البروفيسو سعيد فالح « بأقل من شهر حُمل على ظهر بعير إلى قريته ( العبادل) شرق غامد دون والدته التي أصيبت بمرض منعها من القيام بمهمة إرضاعه، لتكون الماعز الشهباء الحلوب هي البديل، ليعيش في كنف عمات قاسيات التعامل مع طفل لا يدري أين والدته ،ووالده مشغول عنه، وحين انتظم في مدرسة نال عقابا قاسيا حين طرح سؤاله البريء، لم لا يسمع الناس صوت الميت حين يضرب في رأسه بمطرقة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل من في السماء والأرض ما عدا الإنس والجن؟ أشبعه المعلم والمدير وبقية المعلمين ضربا وركلا لتكون أشبه بالاحتفالية المقيتة لتوبيخه وضربه ليحمله ابن عمه على كتفه إلى منزله حين عجز عن المشي، لم يتوقف عند هذا الحد بل حرمه معلمه من مغادرة الفصل وقت الفسحة فظل معزولا مبغوضا، وحمّله ذلك السؤال لأن يصمه منسوبو المدرسة «بالزنديق» وما كانت أساليب العنف غير التربوية تتوقف بل امتد التشكيك في كل شيء إلى كرة الطائرة التي يلعب بها تلاميذ المدرسة ليطعنها أحدهم ويمزقها إربا ويحرقها بحجة أن بداخلها شيطان رجيم، ليحرم الصغار من ممارسة الرياضة واستبدالها برياضة القفز من فوق الصخور ليصابوا بالكدمات والجروح والكسور. عاش سعيد كأبناء القرية راعياً للأغنام مساعدا في الأعمال الزراعية مقدما الطعام للثورين اللذين ينزعان الماء من جوف البئر، لم يجد عطفا حقيقيا إلا من فاطمة زوج والده التي طلقها دون معرفة بالأسباب والمجنونة سلمى تلك السيدة الطويلة القامة النحيلة الجسم والتي تعاني من حروق شتى في يديها ورجليها من جراء تلمس دفء النار لتحميها من قسوة برد الشتاء، تلك المرأة التي أرعبت أهل القرية نساء ورجالا وأطفلا وضعت يدها على رأس سعيد وأغدقت عليه ريالا فضيا وبعض القروش قد حفظتها في صفيحة معدنية، وتنامت الحميمية بينهما إذ يلقي عليها تحية الصباح كل يوم يمضي من أمام مسكنها تحت هضبة التي سميت باسمها ليكون الوحيد من طلاب المدرسة يغيب ليشارك في الوقوف على قبرها وهو مملوء بالحزن ، ليجد عقابا قاسيا 26 جلدة توزعها جسده النحيل لغيابه ذلك اليوم، ولم يسلم من قطعة الحديد الساخنة التي أخرجها الطبيب الشعبي من جرابه ليضعه ملتهبا على سمانة ساقه كعلاج لمرض أصاب إحدى عينيه، وبقيت رجله مريضة تنزف بالدم والقيح ولا علاج سوى أعشاب لا جدوى منها، تنامت ثقافة سعيد بإرسال ابنعمه مسفر المستقر في مدينة جدة بعض الكتب لطه حسين والرافعي والمنفلوطي ومآثر الفارابي وابن سيناء وابن حيان وغيرهم من العلماء، وحتى تصل تلك الكتب تحتاج إلى مدة زمنية لا تقل عن شهر بسبب وعورة الطرق وانقطاعها في بعض الأماكن الجبلية لتكون الجمال أو الحمير هي الوسيلة في إيصالها، وما أن اجتاز الصف الرابع حتى أناط الأهالي عليه مسؤولية تدريس تلاميذ القرية تطوعا منه ، ومن إذاعة طامي سمع اسمه حائزا على المركز الرابع عشر على مستوى جميع مدارس المملكة العربية السعودية للمرحلة الابتدائية، ليثبت جدارته بهذا التفوق الدراسي رغم ظروفه المعيشية والاجتماعية الصعبة ، كانت أرامكو انذاك مركز الجذب لكثيرين من أبناء الجنوب لتكون رحلة العناء ركوباً على الحمار إلى وادي بطحان شمال الباحة ومن ثم إلى الطائف ليتجه إلى الرياض ثم إلى الظهران في رحلة زادت عن أسبوع كامل تخللها الجوع والظمأ والغبار والإرهاق، لم يسلم ركاب السيارة من مشاجرة ومشاكسة بينهم وتهديد السائق ومعاونه لمتسببي المشاكل بالطرد من السيارة،
- جمعان الكرت