د.عبدالله الغذامي
في 3 ديسمبر 2015 ظهرت دانا جونسون على التلفزيون (BBC) تتشكى مما تعرضت له من بلطجة bullying بلغت حد الفحش وتمنعت عن ذكر الكلمات التي جاءتها على تويتر والإيميل بسبب تصويتها في مناقشة سياسية في البرلمان تصويتا خالفت فيه توجيهات رئيس الحزب، وهي وزيرة الخارجية عن حزب العمال البريطاني في حكومة الظل، وكانت قد قالت برأي مخالف لرأي قيادة الحزب وهذا فتح عليها نيران البلطجة الإلكترونية، ولم تخل الهجمات من لفظ التحقير لها كامرأة مقارنة بزملاء لها رجال صوتوا مثلها بمخالفة لرئيسهم، وجاءتهم بلطجة ولكنها أقل شراسة مما تلقته بوصفها امرأة وهذا ما ضاعف هلعها مما حدث وزاد من شكواها على سوء سلوك أفراد الحزب ضد أهم حقوقها الديموقراطية في أن يكون لها رأي وتصويت حر، وفي أن تكون أنثى بكامل التأهيل العقلي والمهني.
وقع هذا في تزامن مع حادثة صارت في حزب المحافظين البريطاني حيث استقال أحد كبار الحزب بسبب فضيحة راح ضحيتها شاب فتي كان من كوادر الحزب الشابة وكان هدفا لبلطجة قاسية في أحد اجتماعات الحزب وأدت الحادثة لانتحار الفتى نتيجة لما أصابه من صدمة دمرت نفسيته.
كنت أنظر في هذه الأحداث وأتذكر عام 1973 حين ظهر إنيك باول وصرح وقال في وسائل الإعلام: إني أشك بالقدرات العقلية والعاطفية لرئيس الوزراء،والمقصود هو إدوارد هيث، أفضل السياسيين حينها في حنكته وقوته وصلابة آرائه، وتلك حادثة أفضت بالحزب بأن قرر فصل إنيك باول من الحزب، وكنا حينها طلبة في الجامعة وهالنا أن نرى سياسيا بريطانيا يتعرض بمثل تلك اللغة المتوحشة ولكننا كنا فرحين بفضيحة باول بما إنه رجل عنصري تكلم كثيرا ضد السود والمهاجرين وكان ديدنه شتمهم والمطالبة بطردهم وإعادتهم لبلادهم الأصلية، وفرحنا عليه حين انكشف بشكل سافر وحين فصل من الحزب.
هذا كله يعطي صورا عن النفس البشرية وكيف أنها تحمل السوء حتى وإن كانت في مؤسسة ديمقراطية، ولكن سوءات البشر تختلف من حال لحال، فالسوء في مجتمع ديموقراطي يجد مواجهة تتعامل مع قانونيا أو ثقافيا، بينما السوء في بيئة غير ديموقراطية يمر محصنا بالصمت والمداراة،ويظل السوء واحدا في كل مكان ولكن المحاسبة تختلف حسب درجات وعي البيئة الثقافية بحقوق أفرادها وواجباتهم. البلطجة الديموقراطية تجد من يقف لها ويمنع تصاعدها، في مقابل البلطجة الدكتاتورية ألت تتصاعد لدرجات خطرة، تصل للقتل والتصفيات ولا حسيب ولا رقيب، وإن كان الطبع البشري يجنح للغلبة والتسلط غريزيا ويتساوى الديموقراطي والديكتاتوري في هذه الرغبة إلا أن الفارق بين الثقافتين هي في درجات ضبط الخلل بكشفه وملاحقته، أو بستره وتعميقه.
هناك ثقافة تفضح العيب وتعريه، وأخرى يمر العيب من تحت غطاء كثيف حتى لتظنها سليمة من العيوب ولكن سرطانها في جوفها.