د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** اعتدنا من الإعلاميين ضجيجًا يشاؤونه أحيانًا ولا يستأذنهم حينًا ؛ وندرة من يمرون بالتجربة الإعلامية دون أن يكون لهم حضور ، وبخاصةٍ من أمضوا سحائب عمرهم المغدقة في أضوائه حين كان للإذاعة صوتُها وللتلفزيون وهجُه وللنجوم فيهما حظوتُهم.
**أمضى صاحبكم في العمل الإذاعي المسموع خمسة عشر عامًا ولم يدخل مكتب «أبي عثمان» سوى مرة يتيمة حين اجتاز مراحل الاختبارات والتدريب ونزل اسمه ضمن قائمة المذيعين المكلفين بالتنفيذ حين قدمه إليه كبير المذيعين وقتها الصديق الأستاذ صالح السويدان ، ولفت نظرَه امتلاء مكتبه بالكتب حتى فاضت فغطت « طاولات» الخدمة الوسطية والجانبية ولم يبقَ فارغًا إلا المقاعد.
** لم يطل اللقاء فقد اكتفى «أبو عثمان» بالترحيب العابر والتمنيات الهادئة، ثم لم يره بعدها إلا خارج مبنى الإذاعة في مناسباتٍ غير رسمية اعتاد الإذاعيون على تنظيمها حين ترقيةٍ أو توديع.
** يغلب عليه الصمت والهدوء بالرغم من أنه بلغ منصب وكيل وزارة الإعلام لشؤون الإذاعة ؛ فإذا حكى همس أو كاد فلا يسمعه من هو بعيد عن موقعه، وهما سِمتان رآهما فيه وفي الدكتور عبدالرحمن الشبيلي استثناءً من الإذاعيين الذين يمتازون بالجَهْورية والترسل، وما أجمل الصمت المُصغي والهدوءَ الحيوي.
** الأستاذ محمد بن عثمان المنصور أمضى عمره الوظيفي كله في الإعلام المسموع عدا فترة يسيرة شغل فيها منصب المدير العام للأخبار بوكالة الأنباء السعودية، وما الظن أن في مكتبة تسجيلات الإذاعة صوتًا له مع أنه كان مهيبًا متمكنًا واعيًا ذا حسٍّ إذاعيٍّ راقٍ وناقدٍ وموجه، وله دور بارزٌ في تميز إذاعة الرياض وقت إشرافه عليها وتنويع برامجها واستقطاب الخبرات العربية والكفاءات الوطنية والمحافظة على بقائها ودعمها.
** تهيأت لصاحبكم فرص اللقاء بفارس الإذاعة بعدما ترجل وتواصلا كما لم يفعلا أيام ضمهما المبنى الجميل داخل المجمَّع الكبير فتحاورا وعرف فيه عمق ثقافته وثراء ذاكرته وسماحة نفسه، واكتشف أن هذا الصامت مليءٌ بالجمال ومشرق بالابتسامة وزاهٍ بخُلقه الرفيع النائي عن غيبة الآخر أو الإدلال بالأنا.
** تمنى كثيرون أن يكتب المنصور تأريخ الإذاعة التي عايشها بل عاشها منذ تأسيسها، لكن الصامتين أمثاله صناديق مقفلةٌ يصعب العثور على مفاتيحها.
** الإنجازُ لافتةٌ لا تُرى