لما أعاد أفلاطون وأرسطو أصل الفلسفة إلى «الدهشة» كان لا بد أن يكون لتلك الدهشة عوامل سابقة ومؤثّرة بما يحفز الإنسان ليندهش، وبالتالي يبدأ رحلة البحث عن تفسيرات منطقية لتلك الدهشة، قاصداً طرد الجهل بكليته من أعمق نقطة في إدراك عقله. يقول أرسطو: «الذي يندهش ويسأل إنما يشعر بالجهل، وحتى يتحاشى الإنسان الجهل بدأ بالتفلسف!»
والشك هو أصل اليقين، والإنسان بطبيعته لا يعيش في كينونته التي وجد فيها بشكلها المادي والروحي التي هي عليه، بل إنه يبدأ منذ لحظاته الأولى في الحياة بالمراقبة وتلمس الأشياء بحواسه في محاولة لاستكشاف ماهية كل ما حوله، وذلك الاستكشاف بكافة طرقه ووسائله هو ما ينمي الإدراك العقلي لديه، إذ يبدأ أولاً بالسؤال الداخلي الذي يجوب في دماغه ويعتصر فكره، ما هي أوجه الشبه والاختلاف بيني وبين ذلك الشيء؟ فيقيس على كل الأشياء التي يراها أمامه، ويعقد الكثير من المقارنات قبل أن ينتقل للسؤال التالي وهو: كيف تعيش هذه الأشياء؟ بل يتطور ليسأل عن معانيها الوجودية وكيفية إدراكها!
وهذه الأسئلة هي بلا شك ما يقوده في مرحلة عمرية أكثر نضجاً ليطرح أسئلته التي تدور حول أصل الوجود وماهيته وما الذي يؤثّر في الظواهر من حولنا؟! وهذه المرحلة يطلق عليها في علم الفلسفة (مرحلة الشك). وهو في بدايته يبدو شكاً عبثياً يدور في فراغ وجودي قد أحدثته بعض القيم المتوارثة والتي ترفض إطلاق الأسئلة على العموم، غير أن الإنسان قادر على تحويل ذلك الشك إلى شك نقدي علمي، يبني يقين الإجابات بدلاً من نسفها.
وقد وضع كانط (1724 - 1804م) شكلاً توضيحياً حول أسئلة الفلسفة الأولية، إذ رسم دائرة وضع الإنسان في منتصفها، وظلل ثلاثة مناطق في الدائرة لتحيط الإنسان بشكل كامل، وهي المعرفة، الأمل، العمل، حيث حصر كانط كل المسائل الفلسفية والمعارف في تلك النقاط الثلاث التي تحيط بالإنسان في الشكل الذي رسمه.
ثمة عامل إدراكي آخر يسبق الدهشة فيثيرها، وهو التفكير في النهاية المحتومة لكل البشرية وهي الموت، وقد كتبت الكثير من المؤلفات حول (وعي الموت) الذي يحرك غرائز الإنسان الطبيعية للعمل تفادياً لحدود الآلام التي قد تصيبه في حياته وتقربه من حتمية النهاية، بالإضافة إلى التفكير في مأمن من هذه الفكرة التي قد تقتل وجوده الحسي، إذ الفرد لن يكف عن التساؤل عما وراء الموت.
تلك العوامل (الشك والموت) هي الحوافز المؤثرة في الفكر الفلسفي، إذ إنها تقود الإنسان إلى حالة الدهشة، التي قد تجعله في حالة تفكر مستمر بما يقوده إلى مرحلة جديدة هي إرادة المعرفة.
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26@