د. عبدالحق عزوزي
أدانت «منظمة التعاون الإسلامي» بـ«أشد العبارات» ميليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ومن يدعمها ويمدهما بالسلاح لاستهداف مكة المكرمة، وأوصت بعقد اجتماع طارئ للمنظمة على مستوى وزراء الخارجية لبحث سبل الرد على هذا الاعتداء.
واعتبرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التعاون الإسلامي في اجتماعها الطارئ الذي انعقد بمدينة جدة على المستوى الوزاري، أن من يدعم ميليشيات الحوثي وصالح الانقلابية ويمدهم بالسلاح وتهريب الصواريخ الباليستية والأسلحة، يعد شريكاً ثابتاً في الاعتداء على مقدسات العالم الإسلامي وطرفاً واضحاً في زرع الفتنة الطائفية وداعماً أساسياً للإرهاب، وأن التمادي في ذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار والإخلال بأمن العالم الإسلامي بأسره واستهزاء بمقدساته. وأكد الاجتماع دعم الدول الأعضاء للمملكة العربية السعودية في مواجهة الإرهاب وضد كل من يحاول المساس بها أو استهداف المقدسات الدينية فيها وتضامنها مع السعودية في كل ما تتخذه من خطوات وإجراءات للحفاظ على أمنها واستقرارها. كما أدان الاجتماع الطارئ محاولة الاعتداء على مكة المكرمة واستفزاز مشاعر المسلمين حول العالم.
ودعا جميع الدول الأعضاء إلى وقفة جماعية ضد هذا الاعتداء الآثم ومن يقف وراءه ويدعم مرتكبيه بالسلاح باعتبار أن المساس بأمن المملكة إنما هو مساس بأمن وتماسك العالم الإسلامي بأسره...
نعم، إن استهداف الحوثيين لمنطقة مكة يعد تجاوزاً من قبل المليشيات لحرمة المقدسات واستهتاراً بمشاعر المسلمين واستهدافا لحرم الله، لذا نفهم جليا استنكار وإدانة الدول الإسلامية والعربية والمنظمات والهيئات والمؤسسات الدولية لهذا الجرم ولمن يقف وراءه...
وقد أجاد وأفاض السفير عبد العزيز محيي الدين خوجه، سفير المملكة العربية السعودية بالمملكة المغربية، في وصفه للاستهداف الصاروخي الفاشل الذي نفذته المليشيات الحوثية، التابعة لجماعة أنصار الله اليمنية، باتجاه منطقة مكة المكرمة عندما قال في تصريح له في المغرب بأن ذلك يشكل اعتداء إجراميا شنيعا وعملا عدوانيا مدانا. واعتبر أن العملية الحوثية «تصرف لا أخلاقي، يدل على همجية مرتكبيه»، على أن الذين قاموا بذلك «لم يقم به أحدٌ منذ أبرهة الحبشي الذي أراد هدم الكعبة المشرفة»، مضيفا: «استهداف البلد الحرام، مهبط الوحي وقبلة مليار ونصف مليار مسلم ومهوى أفئدتهم، يعد عملاً استفزازيا لا يمكن السكوت عنه لما يكتسيه من خطورة بالغة».
الهجوم الصاروخي، الذي أدانه المغرب ومجلس التعاون لدول الخليج العربي والعديد من دول العالم، هو تحد للعالم الإسلامي بأسره، واستهانة بمشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ومساس بأقدس مقدساتهم. وهذا العمل الجبان الذي قام به الحوثيون يؤكد نواياهم الخبيثة ونوايا من يقف وراءهم ويمدهم بالأفكار والمال والعتاد والسلاح المتطور، في محاولاتهم اليائسة للتعدي على أرض الحرمين الشريفين..
ودائما ما أقول في محاضراتي داخل المغرب وخارجه، أن الحوثيين ما كانوا ليصلوا إلى ما وصلوا إليه من خبث وبغي لولا راعيتهم إيران، التي تلعب على الوتر الطائفي وعلى التمزيق وأبجديات التشرذم في المنطقة، وهي مسألة وجود إيديولوجي لإيديولوجية ولاية الفقيه؛ فإذا استحضرنا هاته القاعدة وفهمنا أن تصدير مشروع الثورة الإيرانية لن تكون إلا من خلال استعمال أدوات مذهبية باستغلال وتجييش طائفي لبعض الشيعة العرب وغيرهم في المنطقة العربية لنشر مبادئ ومرتكزات الثورة، كل ذلك لتعزيز المصالح القومية الإيرانية، والتمركز داخل النظام الإقليمي وابتزاز الخصوم والأنداد وهو ما يؤدي طبعا إلى إضعاف مؤسسات دول بأسرها، كما هو شأن العراق وسوريا ولبنان واليمن. وعندما يكون الاستقطاب الطائفي مصحوبا بالعسكرة والتجييش فصل صلاة الجنازة على الوحدة الوطنية وديمومة المؤسسات واستقرار مصالح الخاص والعام التي عليها قيام الدول والأمصار. قارن معي في الختام: في الدول العربية التي تعرف غياب الاستقرار، ما هي الدول الأكثر عرضة لصراعات لا متناهية ومعقدة؟ طبعا هي الدول التي اخترقها النفوذ الإيراني، ومبدأ المولاة لولي الفقيه الذي يعطي الأوامر من طهران، على حساب وحدة الدول وعلى حساب الخضوع للسلطة السياسية المنتخبة بعمليات التحريض المذهبي، وإيقاد نار العصبيات والفتن الطائفية ما ظهر منها وما بطن وبين مكونات الشعب الواحد... فالنظام العربي اليوم مطالب اليوم وأكثر من أي وقت مضى ببلورة استراتيجيات حمائية مقاومة متجددة وذكية تمكن من الاحتواء والردع وإيقاف عملية الاختراق الإيراني لصفوفه بعد عملية «التقية» شبه الناجحة في سياسته مع «الشيطان الأكبر» لرفع العقوبات وجلب الاستثمارات الغربية، ومع «العدو الروسي» لإبقاء نظام الأسد وأهله، ولله الأمر من قبل ومن بعد.