سعود عبدالعزيز الجنيدل
أذكر حين كنّا صغاراً، نعدو هنا، وهناك، مسببين كثيرا من الدمار، والفساد في بيتنا القديم، أننا نعتبر الوالدة «نورة الجنيدل» -أطال الله في عمرها، وعمر جميع الأمهات- الملجأ الآمن من العقوبات، فيكفينا التعلق بثيابها وهي في المطبخ لكي ننجو من العقوبات التي قررها الكبار حولنا، فعاطفة أمنا كانت الصخرة التي يتحطم عندها كل شيء.
هذه الذكريات الجميلة طرأت لي مؤخراً بسبب موقف تعرضت له، موقف جعلني أرى روعة الرجل والمرأة، وأن المجتمعات لن تنهض إلا من خلالهما، ومن خلال عقلانية الرجل، وعاطفة المرآة.
ولا يخفى عليكم أن كثيرا من الشؤون الحياتية تتطلب اندماج عقلانية الرجل، وعاطفة المرأة لكي تصل إلى بر الأمان، ولا بد من وضع العقلانية في محلها الذي يتطلبه الموقف، وكذلك الحال بالنسبة للعاطفة، فالموقف الذي يستلزم الشدة، فلابد منها، وهي غالبا ما تصدر من الرجل، وكذلك الموقف الذي يستلزم اللين، ومنبع اللين والعاطفة دوما هي المرأة، ولو اختلطت الأمور، لضاعت، وفسدت شؤوننا الحياتية، وصدق أبو الطيب حين قال:
وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلا
مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّدى
لنعود إلى الموقف الذي سبب كل هذه الذكريات، كان لدى ابني عبدالله موعدا طبيا من أجل الوصول إلى قرار، بشأن استئصال اللوز، واللحمية... وكان الموعد عند استشاري سعودي، وطبيبة سعودية، وبعدما بت في المسألة، وأعطيا قرارهما بضرورة تحديد موعد للعملية بعد أيام قلائل، وقاما بسؤالنا -أنا وزوجتي- عن أي استفسارات أو معلومات نحتاجها من أجل عملية عبدالله، -لم يكن عندي أي استفسارات- قالت زوجتي عندي ملاحظات عليكم، وهي تتعلق بالطريقة التي تأخذون بها المريض لغرفة «Holding» وهي الغرفة الأخيرة التي يحق للمرافقين التواجد فيها، فالمفترض-والكلام لزوجتي -أن يتم إعطاء البنج للمريض قبل دخوله غرفة العمليات، وذلك لأن سارة -ابنتنا- ما زالت تذكر الموقف حين تم أخذها لاستئصال اللوز، ونظرة الرعب التي اكتست وجهها، وهم يدفعون سريرها باتجاه غرفة العمليات، وهي تلتفت باتجاهنا منادية أمها، وهي دائما ما تذكر هذا الموقف حتى الآن.
استجابة لهذا الكلام قالت الطبيبة: يوجد موقع في الويب سايت للمستشفى، بإمكانك كتابة ذلك، وسينظر في الاقتراح، والحقيقة من وجهة نظري أن كلام الطبيبة نابع من عاطفتها، فهي تأثرت بكلام زوجتي، ولهذا أعطتها هذا الاقتراح.
لكن الاستشاري السعودي، لم يسكت على هذا بل تكلم، وشرح الأسباب التي تؤيد الطريقة التي يستخدمونها، وهي طريقة متبعة في أغلب المستشفيات، فلا يكاد يوجد مستشفى يعطي البنج للمريض في غير غرفة العمليات.
لا أكتمكم سرا هذه المناقشة القصيرة، أضاءت في مخيلتي الاختلاف في النظرة للأمور من قبل الرجل والمرأة، فالطبيبة بعاطفتها الفطرية شعرت بما تشعر به الأم، ولهذا ساندتها لعلهم يجدون طريقة تمنع من تكرر ما حصل، أما بالنسبة للاستشاري، فلم يتكلم إلا بعقلانيته، التي يرى من خلالها أن هذا هو التصرف السليم، بغض النظر عن أي أمور أخرى، فالأهم هو تطبيق معايير سلامة المريض، حتى لو كان ذلك يعني، الخوف، والرهبة خلال الثواني القلائل التي يتم أخذ الطفل فيها، وتأكيدا لكلامه قلت معلقا: «بكرة تكبر وتنسى».
أخيراً
المرأة نصف المجتمع، فلا وجود لمجتمعات من دون المرأة، وهن شقائق الرجال، كما أن الله سبحانه وتعالى، خلق الرجل، وخصه بخصائص، وكذلك خلق المرأة وخصها بخصائص، ومع اندماج هذه الخصائص المتعلقة بكلا الجنسين، نصل إلى التكامل.