السفير السعودي في واشنطن يستحق التقدير لا التجريح على خطابه المفوه في مجلس العلاقات العربية الأمريكية وما تبع ذلك من مهارة عالية في التعاطي مع السؤال «الملغم» في مقطع الفيديو الشهير. لقد شاهدت واستمعت بانتباه وتركيز لتعامل السفير مع الحالتين ووجدته بارعاً في التعامل مع الحالتين بصفة جعلتني أفخر بتعاطيه المميز والذكي والمتوائم مع متطلبات المكان والزمان ونوعية الجمهور.
خطاب السفير في مجلس العلاقات العربية الأمريكية، وإن لم يخل من سلبيات بسيطة من وجهة نظري المتواضعة، كان خطاباً ارتجالياً محضراً له جيداً يحمل الكثير من الحنكة في سرد الأحداث بطريقة يفهمها المتلقي الغربي بصفة عامة والأمريكي بصفة خاصة. لقد برع السفير في الدخول مباشرة إلى قلوب الحاضرين من خلال التعليق على أمور شخصية ألقاها بعناية شديدة كان الهدف منها واضحاً وهو كسب عاطفة الحضور وتهيئتهم إيجابياً لتلقي خطابة بكل إيجابية. لكل من استمع بحيادية لخطاب السفير يخلص إلى أنه كسب الجولة الأولى في كسر الجليد وتهيئة المتلقي لتقمّص خطابه وهو أسلوب معروف لدى الغرب ويكاد لا يخلو خطاب للنخبة في أمريكا على سبيل التحديد سواء من النخبة السياسية أو الاقتصادية أو غيرها من النخب.
أعجبتني جداً براعة السفير الخطابية «التلقائية» في الانتقال الذكي في سرد الأحداث وتغليفها بروح من الفكاهة المنضبطة والمطلوبة فهي من أدوات إجادة التواصل الخطابي مع نوعية الحاضرين. قد لا يكون مثل هذا الأسلوب مناسباً لو أن الجمهور كان من منطقتنا كون الرصانة والحصافة والرسمية المباشرة هي ما يطغى عادة على أحاديث السياسيين والرسميين ولكن الوضع مختلف تماماً في حالة نوعية الحضور من الغربيين وكذلك مكان الحديث في العاصمة الأمريكية.
لقد سمعت عن ردود الأفعال السلبية حول أدائه في الخطاب الشهير وما تبعه من ردود الفعل حول إجابته على السؤال «الملغم» والحقيقة التي خلصت إليها أن السفير أبلى بلاءً حسناً غير ما أفردته ردود الأفعال غير الموضوعية. كمواطن سعودي يقضي أوقات كثيرة في العاصمة واشنطن لظروف عائلية وعملية خاصة ومطلع عن قرب لما يجري بواشنطن أجد من الضروري إيضاح الحقيقة التي وصل إليها عدد من الأصدقاء الأمريكيين ممن تجاذبت معهم أطراف الحديث في واشنطن حول خطاب السفير فوجدتهم متفقين على كفاءة الرجل وقدرته العالية المغلفة بروح الفكاهة في إيصال وجهة نظره ونظر الدولة التي يمثِّلها. لقد قال أحد الأصدقاء الأمريكيين ممن يتابعون عن قرب الشأن السعودي في واشنطن إن السفير كان غاية في الحنكة الخطابية وأبدى قدرة عالية على سرد الأمور بصيغة التبسيط والتلقائية التي يفهمها الأمريكيون. كلمتان ذكرهما الصديق التصقتا في مسمعي عن أداء السفير وهي أنه ظهر كمفوه ومحبوب «the Embassador appeared conversational and likable».
أما بخصوص تعامل السفير مع السؤال «الملغم» فالحقيقة تقول إنه وببراعة رد على السؤال بإجابة مغلفة بالذكاء وهو أسلوب من التورية متعارف عليه في الغرب. لقد أجبر السفير طارح السؤال على التعامل مع إجابته ولكل من استمع إلى الرد الكامل من السفير وليس فقط المقطع القصير المجتز من رده على سؤال الصحفي «الملغم» يصل إلى قناعة أن السفير رجل مفوّه ويزن كلماته ويستطيع التعامل بحنكة وتلقائية تناسب الفكر والطابع الغربي. هذا الأسلوب قد لا يناسب طبيعة التعامل مع الأحداث في منطقتنا ولكنه أسلوب شائع هنا في واشنطن. فالسفير عندما رد على سؤال الصحفي الملغم «هل ستستمر السعودية في استخدام القنابل العنقودية في اليمن» بعبارة «كأنك تسألني هل ستتوقف عن ضرب زوجتك» هي احترافية في استخدام التعبير المجازي لأن رد السفير يحمل معنى ضمنياً غير المعنى المباشر. بمعنى أن السفير يرد على سؤال الصحفي بقوله كأنك تسألني عن متى أتوقف عن ضرب زوجتي رغم أني لا أضربها أصلاً فكيف أتوقف عن شيء أنا لا أفعله وهو ما يرد على سؤال الصحفي حول القنابل العنقودية بصورة ذكية.
لقد استطاع السفير التخلّص بنجاح من أسئلة الصحفيين بعد الخطاب رغم حرص عدد من الصحفيين من حوله على الضغط عليه لاستنطاقه بما يريدون ولكن ذكاءه أخرجهم بلا نتيجة ونجح في معركته معهم. لكل من تابع كامل رد السفير يجد أن ما حاول الصحفي حفره للسفير وإيقاعه به قد وقع الصحفي فيه بنفسه وليس أدل من ذلك عندما رد الصحفي بأنه سني وليس إيرانياً رغم أن السفير لم يذكر إيران أو مذهبه في كلامه ولكن كما يقول المثل «كل إناء بما فيه ينضح». أدعو الجميع لمتابعة كامل رد السفير على السؤال «الملغم» لكي يصلوا لهذا الاستنتاج وكذلك خطاب السفير كاملاً.
آمل أن أكون قد قدَّمت في هذا المقال شهادة حق في السفير السعودي في واشنطن رغم أن الظروف لم تجمعني معه من قبل لا من قبيل الصدفة ولا غيره ولكن الحس الوطني وواجب المهنية أجبراني على طرح وجهة النظر هذه، والله من وراء القصد.
(واشنطن دي سي)
- سلطان بن عبدالله العماش
alammash@yahoo.com