د. خيرية السقاف
يتغيَّر الإنسان, ولكن كيف, وإلى أين؟!..
فداخله كلما أشرقت وغربت عنه شمس يوم تزوَّد
المواقف تعلّمه, والناس يضيفون إليه, والعمل يصقله, والعلم يثريه, والعزيمة تدفعه,
تماماً كما الأحزان تبلوره, والنكبات تدعمه, والشدائد تمهره, والنعم تسقيه, والحاجة تحفزه..
الإنسان يوماً بعد يوم ليس هو الذي كان بالأمس..
غير أنه الوحيد الذي يتشكل مع متغيّراته وفق ما يدرك, ما يريد, ما يعزم, ما يفكر, ما يفعل,
بمعنى آخر الإنسان ليس خلاصة لما يُفرضه عليه ما في خارجه, بل إنه رغيف ما يعجن هو ذاته في داخله!!..
لذا لا حجة لمن يرمي الأحداث, ومواقف الحياة, ووقائع الطريق بأسباب دكنه, أو قسوته, أو جهله, أو حماقته, أو كسله, أو عدم فاعليته..
حين يجعل من الهموم, والفاقة, والغنى, والصحة, والجهل, والعلم, والمرض محركات فاعلة فيه, لا محبطة..
الإنسان يتغيّر بموجب طبيعته, تغيراً شكلياً ظاهرياً, وتكوينياً باطنياً..
الدليل, أن متغيّرات الملامح, والشكل, التي تتحكم فيها طبيعته البشرية، حيث خلق على ضعف, ثم من بعد ضعف قوة, ثم يتدرج حتى يبلغ الوهن فيُرى في ملامحه, وقواه...
لكنه وهي تتغيّر فيه الملامح, لا يتركها تمضي على طبيعتها, فهو يجاهد من أجل مكافحة أي علامة لهذا التغيّر يمكن أن تُلمح إلى وهنه..
بل إنه وهو في كامل قواه, ويفاعة شبابه, يجعل من مشارط الجراحين أداة ليغيّر في أنفه, وقوامه, وزوايا عينيه, وبسطة جبهته, وأركان فمه, وللنساء في هذا التغيير سبق المضمار, والصولة فيه والجولة والفخار!!!..
إن الإنسان كلما وعى, وأدرك, وكلما زاد وعيه, واتسعت مداركه كانت ذاته محور اجتهاده لأن تكون متغيراته مكاسب لا خسائر, ولأن يكون ذا فاعلية فيما يُحدث من تغيير فيجعله تغييراً مجدياً فيمن حوله, حين تكون مكاسبه تغييراً مجدياً لذاته..
فواقع المرء الذي يعيش, هو حصاد واقعه الذي يتكون فيه..
إن الحضارات البشرية التي بُنيت, كانت قد بُنيت بفعل متغيِّرات إيجابية ذات مكاسب مُهرت بعطاءات نفوسٍ عزائمُها كانت تتغيّر بتغيّر تجربتها, ومضيها, ودأبها, وفعلها, فتغيّرت ملامح منجزها من حلم داخل بواطن آهلة لتغدو عماراً, وبناءً, وإرثاً أشرقت به شمس البشرية وعليه, كما كانت تشرق شموس الشيب في رؤوس منجزيها..
مر بخاطري هذا, هاجساً بحلم, ربما ذات يوم, يعود العراقي, والسوري الصغيران بكل مكنونهما, ومتغيراتهما ليعيدا للعراق, وسوريا مجد حضارة دُمرت آثارها, وطُويت معالمها في واقع مجنون, وعبث هاتك.
الإنسان يصنع هذا ..
بلى إنه يفعل كلما تغير أنتج,
في حالة أن يجعل من متغيراته أداة فعل بناء.