زكية إبراهيم الحجي
التجرد من سياسة الإنصاف في سرد وقائع التاريخ مهما كانت درجة فداحتها.. أو التشكيك فيها أو إنكارها.. هي سياسة الأقلام التي تكتب التاريخ وفقاً للمصالح والرؤى التي تتبناها حتى ولو كان تاريخاً من نسج الخيال.. ويبدو أن الزيف المتعمد الذي يواكب سرد أحداث مُشكك في حدوثها أو المبالغة في التهويل من أمرها هو خير انتقاء ينتقيه أولئك الذين يؤمنون بغلبة منطق القوة على منطق الحق والحقيقة.
بالعودة إلى سجل التاريخ البشري منذ نشأة الإنسان على سطح الأرض وحتى عصرنا الحالي.. لا نقرأ إلا سجلاً خُطت سطوره بمداد الدم كبصمة للتاريخ الحافل بالحروب الطاحنة والصراع الأزلي الذي يُغلِّب منطق القوة على منطق الحق والحقيقة.. منطق القوة الغاشمة والتي تنتزع حقوق الآخرين وتهدم ما بناه الانسان بدل أن تستخدم للأهداف السامية التي تحتاج إلى منطق القوة، فالقوة لا تعني دوماً الدوران في فلك العنف الهمجي..السؤال: ما هي العلاقة بين السياسة والقوة؟.
ربما لا توجد علاقة منهجية محددة ومعينة بين السياسة والقوة، وقد يعود ذلك إلى علاقات معقدة تحكمها العلاقات الاجتماعية المختلفة بين البشر، وبالتالي فاختلاف أشكال العلاقات الاجتماعية وتطورها يسهم إلى حد كبير في تطور مفهوم القوة باستمرار من حيث المصادر أو المؤثرات أو كيفية استخدامها كأداة لها موجهات سياسية تتحكم في استخدامها.
وفي عصرنا الحالي نجد أن علاقة القوة بالسياسة مرتبطة بمعضلة الأمن الذاتي للدول التي تخشى الفوضى أو بمعضلة التحكم بمصائر الأنظمة والشعوب الأخرى وإجبارها على الرضوخ للمنطق الاستعلائي الذي يُمارس في حقها.. لذا فإن الدول الاستعمارية بَنَت تقدمها وحضارتها على أنقاض وموارد ومقدرات شعوب أخرى.
المثير في الأمر أن مسلسل القوة الغاشمة والمنطق الاستعلائي لا زال مستمراً في عصرنا الحالي ضد الشعوب وتطلعاتها ولا عجب في ذلك فقد قال نابليون ذات مرة: «إن سيدتي هي القوة ولقد كلفتني هذه السيدة الكثير لذا لن أتنازل عنها لأحد ولن أسمح لأحد أن يشاركني فيها».
إن المتابع للمشهد العربي وما حل به من تفكك نتيجة الصراعات الأهلية أو الدولية يدرك تماماً أن من يملك القوة يملك حق النقض، ومن يملك القوة يملك أن يفرض شروطه وإرادته على الآخرين.. وأن منطق القوة الغاشمة هو المتصدر في المعادلة الدولية.. وغياب العدالة الدولية جعل الفئات الغاشمة تتمادى في غيها وعدوانها مما أدى إلى مزيد من معاناة الشعوب العربية المكلومة في مبادئها وكرامتها.