أ.د.عثمان بن صالح العامر
من الخطأ - في نظري - أن نعطي نسبة معينة إزاء أي ظاهرة مجتمعية، سواء أكانت مقلقة ومؤذية أم أنها على النقيض إيجابية محببة، إلا إذا كانت لدينا معلومة دقيقة مبنية على دراسة علمية ميدانية موسعة تؤهلنا لإطلاق هذا الحكم الرقمي المعلن، الذي قد يتجاوز الظواهر إلى الأعمال القلبية التي هي بالنسبة لنا من البواطن التي لا يعلمها إلا الله.
هذا القول ليس فقط في هذه المسألة بالذات، بل في جميع أحكامنا التي نطلقها على عواهنها دون مستند علمي موثوق، والمشكلة أنها تُؤخذ من قِبل العامة والنُّخب على حد سواء بالتسليم المطلق ثقة بشخص قائلها، وربما لموافقتها هوى في النفس - لا سمح الله -.
إنني هنا لست في مقام المدافع عن هؤلاء القراء الرُّقاة ومن يعرفون بالأطباء الشعبيين الذين انتشرت دعاياتهم والتسويق لهم هذه الأيام بشكل مخيف وغريب، سواء في قنوات فضائية خاصة بهم، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي المفتوح!!! كما أنني لا أستطيع الحكم عليهم حكماً قطعياً جازماً، إذ لا علم لي بحقيقة ما يقومون به ويمارسونه مع مرضاهم بشكل دقيق حتى أصدر في حقهم ما يمليه عليَّ الواجب الديني والضمير المجتمعي والمصلحة المتوخاة، فحالي في هذا المقام كحال غيري «متّبع مقلد لما يقوله علماؤنا الأجلاء والأطباء المختصون الثقات الذين - جزماً - لديهم أدلة وقرائن وبراهين يبنون عليها ما يقولونه للناس»، ولكنني فقط أخذت ما ورد في هذا الباب على سبيل المثال في تعاملنا مع النسب والأرقام التي قد يقولها الواحد منا من باب التحذير والتخويف لما يراه ويشهد عليه، معتبراً إياه خطراً عقدياً وخطأ سلوكياً يجب تصحيحه والوقوف في وجه مقترفيه، حماية لجانب التوحيد وحفظاً للعامة من تصيد أدعياء الطب والقراء الرّقاة لهم، حين يبحثون عن الشفاء من الأمراض التي يعانون منها على يد هؤلاء القوم، الذين قد «يعتمد بعضهم في تشخيص الحالات على الأحلام، ويوهمون المريض بأنه مصاب بالعين أو الحسد أو السحر»!!! ذلك أن هذا الاجتهاد المدعم بالنسبة الواردة أعلاه سرعان ما ينتقل من مجرد تخمين شخصي إلى مسلَّمة علمية توثق في الكُتب التي يحفظها التاريخ، وتُلقن للطلاب في قاعة العلم ومحاضن التدريس، وتُتناقل عند العامة في المجالس والمنتديات الخاصة والعامة، وربما جاء الذكر لها في أحد البرامج الإعلامية المحلية أو العالمية وطُلب من أهل الاختصاص البيان والمناقشة والتعليق، وقد تتطور الأمور فتوظف هذه الأحاديث المرصودة والفتاوى الهوائية يوماً ما في الأجندة العدائية لمجتمعاتنا العربية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بفهم أو عن سوء فهم متعمّد، مع أنني أكاد أجزم أن هذه النسبة لم تأتِ في هذا السياق العلمي الصرف، وإنما فقط من باب المبالغة في التحذير والتوعية بشدة الخطر المحدق بديننا ثم بأبداننا من هذا الداء الذي يسري في جسدنا الوطني، والذي التفت له قيادتنا الحكيمة ممثلة بمقام وزارة الداخلية الموقر فكان منها المنع والنصح والتوجيه، ولكن حبذا لو كانت العبارة من الكلمات المرضية غير المحددة كقول القائل «جلّ، أو غالبية، أو أكثرية، أو ما إلى ذلك، كا جاء على لسان معاليه - حفظه الله ووفقه ورعاه - في ذات الحديث من أن: «(بعض) الرقاة والأطباء الشعبيين يغضبون عليَّ عندما أقول مثل هذا الحديث، وأوجّه الناس للذهاب إلى الأطباء المعتبرين الدارسين والمتخرجين في الجامعات وعليهم متابعة ورقابة من الدولة ممثلة في وزارة الصحة. إنّ (الكثير) من الأطباء الشعبيين لديهم الكذب والجرأة في خلط الأشياء ببعضها ... « .. دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.