د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
- لا تستطيع ذاكرة الجيل المكتهل نسيان دور «مجلة العربي الكويتية» في تكوينه؛ إذ لم تجئْ استنساخًا لما سبقها من مجلاتٍ ثقافية بالرغم من محاولات الربط بينها؛ فلم تغنِ عنها استعادة «الرسالة أو الثقافة أو المقتطف» التي توقفت قبل صدور العربي عام 1958م، ولم تنافسها «المنهل» التي تقدمتها ظهورًا وتجايلت معها واجتهد صاحبها الراحل الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري في عمل مقارناتٍ دورية بين المجلتين، ولا يُلام «أبو نبيه» رحمه الله؛ فهو فردٌ وتلك حكومة، ولا مجال لاصطفاف الجُهدين والمنتجين بجانب بعضهما، وللحق؛ فما يزال تبويب «العربي» - أيام أول رؤساء تحريرها الدكتور أحمد زكي - رحمه الله- 1894- 1975م - وإخراجُها وتنويعُ مادتها بين الأدب والفن والفلسفة والعلوم والتأريخ والاقتصاد والتصوير وغيرها موئل تأملٍ كما مصدر ثقة، وكنا نحزن حين نرى بعض صفحاتها ممزقةً من الرقيب ونسعى للتواصل مع من يدسُّها بين أمتعته في رحلة عودته من خارج الوطن.
- كانت «العربي» فاتحة الريادة الثقافية لدولة الكويت خليجيًا وعربيًا متزامنةً مع ريادتها المسرحية والفنية والبرلمانية التي اعتورها ما يعتورُ المشروعات الحضارية من وهنٍ أو تهاونٍ، لكنها لم تستسلم له فافتتحت مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي برؤية واعيةٍ تجدد ذكرى ريادة الستينيات والسبعينيات.
- الأهم هنا هو الاقتناع بأن الثقافة مبتدأُ البناء التنموي وخبرُه مع إدراك المتغيرات؛ فالعربي «المجلة» لن تعود إلى وهجها ولو سعى المخلصون؛ إذ الزمنُ غيرُ الزمن والشباب لم يعودوا كما كان آباؤهم وأجدادهم، وقد دخلنا مرحلة (ما بعد «بعد» الحداثة) فيما يُصطلح عليه: (الأزمنة السائلة Liquid Times
أو عصر عدم اليقين، (صدر حوله كتاب مترجم من تأليف «زيغمونت باومان» وترجمة الشبكة العربية للأبحاث والنشر) وهذه مرحلة تقابل مرحلة الحداثة الصلبة التي سعت إلى تأسيس الوعي فجاءت هذه لتبعثرَه وتنثرَه في تيه الفوضى الثقافية والاجتماعية والسياسية التي يعيشها ويعشى بها عالم اليوم.
- من يطَّلع على أرقام توزيع المجلات الثقافية المحلية والعربية سيفاجئُه تواضعها،كما أن واقع المحطات الثقافية المسموعة والمرئية بائس، وهو ما يضع المسؤولية على المراكز الثقافية كما مركز الملك فهد الثقافي ومركز الشيخ جابر ومماثلاتهما للتفكير خارج الصندوق من أجل تقديم ثقافة «صلبة» تتجاوزُ التباكي على الماضي الجميل كما لا تستسلمُ لإيقاعات الثقافة «السائلة» التي صدّرت الهامشيين والملفِّقين والباحثين عن الإثارة على حساب الحقيقة والغد.
- جاء افتتاح مركز الشيخ جابر الثقافي في الكويت - قبل أيام - درسًا عمليًّا لما يصنعه الإنجازُ والإيجاز؛ فلم يستغرق البناء عامين، كما لم تملأْ الاحتفالَ القصائدُ الهادرة والكلمات الهاذرة، ورسم لوحاتٍ مضيئةً للثقافة الفاعلة المتفاعلة والفنِّ الأصيل المتطلع إلى استعادة الجمال لا استنساخه، وسننتظر الآتي بعين الطموح؛ فلا عذر للصلب إن سال.
- الثقافة منعةٌ ومناعة.