عبدالعزيز السماري
أعترف أن الاقتصاد فن لا أجيده، لكن لا أنكر أنني دوماً ما أتتبع أخباره، وأرصد منعطفاته، وذلك لأنه شريان الحياة، وهو العمود الحقيقي للأوطان، مهما حاول البعض أن يقلل من قيمة المال في حياة الشعوب، لذلك يظل هو الهاجس الأهم في اختيارات الناخبين في الدول الديموقراطية، وهو القلق المزمن لدى مواطني المجتمعات الآمنة، ولأنني من أولئك الذين يشقون في تتبع أخبار الاقتصاد من أجل فهم أكثر، لفت نظري خبران ورد كلاهما في نفس التوقيت تقريباً من عامي 2015، و2016.
وسأبدأ بالخبر الثاني، والذي نشرته جريدة الجزيرة في يوم الأمس الأول، الثلاثاء الموافق الثامن من نوفمبر 2016 وكان الخبر عن إيقاف المجلس الاقتصادي التعاقد على تنفيذ عدد كبير من المشروعات التي لا يتناسب حجم الإنفاق عليها مع العائد الاقتصادي والتنموي المرجو منها، ولا تسهم بفعالية في دعم النمو الاقتصادي أو تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، وكانت ستصل قيمة الالتزام بتنفيذ تلك المشروعات التي لم تتعاقد عليها الجهات الحكومية إلى تريليون ريال.
بينما كان الخبر الأول في 30 ديسبمر 2015، وذلك حين كشف وزير الدولة عضو مجلس الوزراء وعضو مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية محمد بن عبدالملك آل الشيخ خلال لقاء تلفزيوني مع قناة «الإخبارية»، أنه تم إيقاف الصرف على 7 آلاف مشروع متعثر، وأضاف آل الشيخ، في إطار التعليق على الميزانية الجديدة، أن هذا الطلب ساهم في تخفيف العبء على ميزانية الدولة، وتوفير مبلغ نحو تريليون ريال كان سيتم صرفها على هذه المشروعات.
الجدير بالذكر أن هيئة الرقابة والتحقيق في تقريرها السنوي لعامي 35-36 هجرية، قد كشفت عن نسبة تعثر مشروعات خطط التنمية، وأنها بلغت 72 %، فيما بلغت المشروعات المنتظمة 5 % أما المتوقفة فبلغت 6 % والمتأخرة 17 %، وهذه أرقم مخيفة، والمفترض أن نعلن النذير العام في ذلك الوقت ضد تعثر المشروعات أو فسادها، وذلك لئلا تذهب أموال الوطن هدراً في مشروعات لم تكتمل.
يطرح هذان الخبران المتوافقان في النتيجة، والمختلفان في المضمون، عدداً من الأسئلة المهمة، وهل لهذا الحد كان ولا زال الوطن يعاني من تعثر المشروعات كما نص الخبر الأول، ومن إرساء مشروعات لا تسهم بفعالية في دعم النمو الاقتصادي أو تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين كما جاء في الخبر الثاني، وهل كان الإشراف على إقرار أو مراقبة المشروعات على درجة عالية من الإهمال أن 2 تريليون كادت ان تضيع من خزانة الدولة، لو لم يتم إيقاف المشروعات المتعثرة، وغير الضرورية للوطن.
كم أود أن يتم الإعلان عن هذه المشروعات المتعثرة وقيمة كل منها، ثم التشهير بالمقاول المتلاعب بمشروعات الدولة، لكن الأهم من ذلك هو كيف ستعالج الحكومة تعثر المشروعات القادمة، وهل سيتم تفعيل هيئة رقابية لتتبع الفساد في المشروعات الحكومية، كما أن لدي الثقة التامة أن المسؤولين في المجلس الاقتصادي سيجدون الوقت المناسب لإيضاح التفاصيل، ثم وضع الحروف على النقاط على صفحة الهدر التاريخي لأموال الدولة -حفظها الله-.
ختاماً نحن أمام خبرين ملغمين بمشاعر التشاؤم والتفاؤل، وسأبدأ بنبرة التشاؤم، وهي الكارثة الوطنية التي عنوانها تعثر المشروعات، أما وجه التفاؤل فهو أن قرار إيقافهما قد تم، وسيعود بالنفع على الوطن، حيث ستوفر لخزينة الدولة تريلونين من الريالات، على أن يتم صرفهما حسب تعاليم وقوانين وطنية صارمة في المسار الصحيح الذي يعود بالنفع بإذن الله على الوطن ومواطنيه.. -حفظ الله الوطن-.