أحمد محمد الطويان
مهارة الحديث للإعلام موهبة وعلم وفن، وتحتاج الحكومات دائمًا لمن لديهم هذه المهارة؛ ليوصلوا رسائلها بوضوح للداخل والخارج، سواء من خلال المقابلات التلفزيونية، أو الخطاب المنبري، أو حتى من خلال الكتابة الرصينة بلغة نقية من الشوائب للتصريحات والبيانات. لدينا في القطاعين العام والخاص أزمة «ألسن» إن صح التعبير. قلة بسيطة ظهرت موهبتها على السطح، ولم يتم صقل هذه الموهبة في الحديث بتوجيهها وتطويرها وتحسينها، وبقي آخرون بعيدين عن ضوء يكشفهم ويبرزهم.
المتحدث النابه يستطيع الدفاع والهجوم بلباقة ودبلوماسية، ويكون بذلك لسان الدولة أو المؤسسة ووجهها، واحتياجنا للمتحدثين النابهين لا يعني أبدًا أن المتحدثين الرسميين للقطاعات الحكومية الحاليين غير مؤهلين أو غير جيدين، ولكن لم يعمل المختصون على تطوير أدائهم وتوسيع مشاركاتهم وتفعيل دورهم بالتصريح والتلميح هنا وهناك.
لا يوجد محللون سياسيون على مستوى رفيع في قنواتنا ولا القنوات العالمية؛ لأننا لم نشجع أحدًا من أبنائنا ليجتهد في هذا المجال الحيوي، الذي نحتاج إليه أكثر من أي وقت مضى. نحتاج إلى من يحمل صوتنا بكل اللغات، وأمام كل التجمعات العرقية والاثنية.. نحتاج إلى من يعبر عنا وعن ثقافتنا وسياستنا بكل احترافية وذكاء.. دور مهم للإعلام في عالم اليوم، والمتحدث دائمًا هو صانع المادة الإعلامية ومحرك الحدث، وهو المفقود في إعلامنا السياسي المحلي والدولي.
لأننا نهمل مهارات الحديث الجماهيري، وفنون الخطابة في مدارسنا وجامعاتنا، ونهمل قواعد اللغة العربية، وفنون الحديث الطلق في اللغات الأخرى؛ لذا لم يخرج جيل من الموهوبين المثقفين القادرين على مواجهة الجماهير والكاميرات، ومن لديه هذه الموهبة تجده متواريًا خلف أكوام الورق في مكاتب الدوائر الحكومية، ولم يُعطَ الفرصة، إما لصغر سنه، وهو عذر البيروقراطيين المعتقين، أو لأنه خارج رادار المسؤول التنفيذي الذي يريد الوهج له ولمن يرضى عنه.
لا بد من البحث عن متميزين في كل الميادين لتقديمهم وتفعيل حضورهم، وجعلهم نجومًا في مساحات الإعلام التي تكاد تكون خالية من السعودي المؤهل للحديث الواعي والقادر على تبيان المواقف، وتقديم صورة عن بلاده عامة، أو عن شأن سياسي محدد. وهنا أتحدث عن الإعلام الدولي، ومحليًّا لا تقل الأهمية؛ فالجهات الحكومية ما زالت تمارس الإعلام كردة فعل، ولا تستخدمه في أحداث الفعل المؤثر أو الدعاية الإيجابية، وهذا يخلق للقطاعات الحكومية أزمات مستمرة في الاتصال الجماهيري.
من يُرِد التأثير فعليه البحث عن المؤثرين. والأدوات لا تصنع حدثًا، ولا تعني اتصالاً، مثلاً، لا تقل لي لدينا في قطاعنا الحكومي حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأني سأسألك: ومن يديرها؟ وكيف يديرها؟ وماذا تنشرون من خلالها؟ ومن تستهدفون؟ وماذا تحقق؟.. ابحث عن التأثير من خلال المحتوى ومن يكتبه أو يتحدث عنه، وكذلك الأحاديث الصحفية والمقابلات التلفزيونية. للأداء الاتصالي التلفزيوني الإيجابي دور مهم في تحقيق الهدف من العمل الإعلامي الحكومي للجهات ذات العلاقة بموضوع المقابلة أو البرنامج التلفزيوني، فلا تطلب من العاجز عن الحديث، أو من يعتبر أسلوبه ركيكًا، أو لم يحضر معلوماته جيدًا.. أن يُحدث لك تأثيرًا.
يجب تأهيل المتحدثين للظهور التلفزيوني والجماهيري، للرسميين والصحفيين والدبلوماسيين.. نحن في معركة إعلام، ويجب أن ننتصر، ولا خيارات أخرى.