د. فوزية البكر
منذ السادس من نوفمبر عام 1990 ظلت هناك مطالبة لم تتوقف بقيادة المرأة للسيارة، ظلّ هذا الأمر كأحجار لعبة الشطرنج يتقاذفها اللاعبون المتسيسون من المتشددين ، كي يتم شغل المجتمع بها عن قضايا أخرى ربما تؤثر في مصائر الناس وأرزاقهم أكثر من قضية القيادة التي أشغلت الناس والمجتمع، وفتحت عالمياً ملفات لا نهاية لها تتعلق بحقوق وأوضاع المرأة السعودية.
دعونا الآن نناقش الكثير من الحجج التي تطرح على منصة موضوع القيادة في كل مرة يطرح فيها موضوع القيادة كما الآتي:
- البلاد في حالة حرب فكيف يمكن التفكير في هذا الموضوع والذي قد يهدد بتفتيت الجهود الموجهة للمعركة. من المفارقة التاريخية أن نفس الحجة لازالت قائمة منذ ستة وعشرين عاماً، فعلى أساس انشغال البلاد بما هو أهم، يجب إهمال احتياجات الفئات الأكثر ضعفاً، إذ لا تمثل هذه الاحتياجات شيئاً أمام هموم الأمة وهذا صحيح جداً جداً، لكن وخلال 26 عاماً لم يأت الوقت الذي كان مناسباً للمجتمع والقيادة لاتخاذ القرار سواء كنا في حالة حرب أو سلام، فمتى يكون الوقت مناسباً إذن:
- هموم المرأة السعودية كثيرة والقيادة بلا شك ليست أهمها : هذا صحيح جداً جداً لكن هل يتعارض مطالبتنا بقيادة المرأة مع حق المرأة في أخذ أي من حقوقها الأخرى: هل توقفت أقلام النساء والرجال ممن دعموا حق قيادة المرأة، فرفضوا أي حق آخر لها بدعوى أنهم يكتفون فقط بالقيادة؟ بالطبع لا. المطالبة بالسماح بقيادة السيارة لا يتعارض مع أية مطالب أخرى، وعلى الأخريات اللاتي يقللن من جهود المطالبة بالقيادة، أن يشمرن عن سواعدهن ويطالبن بالحقوق الأخرى وسندعمهن مائة بالمائة.
- المطالبة بقيادة السيارة لا يتعارض ولا يقلل من أهمية المطالب الأخرى، وعلى رأسها موضوع الولاية، بل هو داعم لها ويسير بالموازاة مع المطالبات بالحقوق الأخرى، كموضوع الولاية والعناية بنزيلات دور الرعاية الاجتماعية ومن لا ولي لهن، والنساء بدون وأبناء المتزوجات من غير سعوديين .. الخ من قائمة المطالب التي لا تنتهي، وننتظر بإذن الله تحققها تدريجياً في عهد الملك سلمان، والتي لم تتوقف أقلامنا نحن من دعم فكرة القيادة عن المطالبة بها.
- المطالبة بقياد المرأة يفتح باب العالم الخارجي على الداخل، بما يسيء له وهذا صحيح للأسف، لكن الموضوع أصلاً سيئ وغير منطقي، وهذا هو السبب الحقيقي في التفاتة الإعلام الخارجي للموضوع وليس بسبب المطالبة به، كما لا يمكن تغطية الموضوع أو إعطاءه مبررات مجتمعية أو ثقافية يمكن قبولها في العصر الحاضر.
- موضوع القيادة أمر بالغ الأهمية لكثير من الشرائح الاجتماعية من النساء، مما يعني بأنه ليس هماً فئوياً أو ثقافياً قاصراً على فئة معينة. إنه همٌّ يومي تواجهه المرأة الفقيرة والعاملة كل يوم وكل دقيقة لأنه موضوع عملي يومي!
- لماذا تم اختيار قيادة السيارة آنذاك وليس أي مطلب آخر للمرأة كان يمكن أن تكون أكثر جوهرية: لسبب بسيط جداً: إنه موضوع بسيط ومحدد وواضح ولا خلاف عليه من الناحية الإسلامية. المرأة المسلمة قادت الجمل وركبت الخيل وذهبت إلى الحروب بهذه الدواب التي هي في مقام سيارة اليوم، كما أنه سهل الفهم ولا يحتمل التفسيرات المتعددة مثل مواضيع أخرى ذات علاقة بالمرأة.
- أظن أن موضوع القيادة في عصرنا الحاضر: عصر التكنلوجيا، ومع التغيرات التي تمر وستمر المملكة بها لمقابلة الرؤية 2030 ومع احتياجات التحول الوطني 2020، أمر أصبح في خانة الضرورة، فلا تستطيع النساء الخروج للعمل وتحمل تبعات التقشف الاقتصادية، مع تحمل تكلفة عدم القيادة.
- ولابد فيما لو تم إقراره من تنظيم آلياته بحيث تحقق شروط السلامة والأمان لجميع قائدي المركبات نساءً ورجالاً. المناخ الاجتماعي والثقافي في عهد خادم الحرمين الشريفين مؤهل أكثر من أي وقت مضى لطرح موضوع منهك كهذا عن كاهل الدولة، وذلك بوضع تنظيماته وترك الأمر لخيار المواطنين والمواطنات فمن رغب فلتقد ابنته أو زوجته أو أخته ومن ترغب لتقد سيارتها، وفي المقابل على من لا ترغب في ذلك أن تتمكن من استقدام سائقها بحفظ آليات الاستقدام كما هي حتى يتدرج المجتمع في قبول الأمر كواقع.
اللهم احفظ هذا البلد آمناً مستقراً.