محمد أبا الخيل
منذ أيام اشتقت للخروج من المدينة (الرياض) والاختلاء في بيداء قريبة, وكان بيدي سيارة رباعية الدفع، قوية العزم، لا يقهرها كثيف الرمال، ولا عسير الجبال, كنت أبحث عن فلاة تشرح الصدر وتفتق الفكر, سرت ساعات بين الوديان والكثبان وفي كل مكان أجد بقايا متعة الإنسان, أكياس بلاستيكية، وعلب معدنية، ونفايات منزلية, وبعد أن كاد اليوم ينقضي دون تحقيق رغبتي, عدت للمدينة وفي الطريق أشغلت فكري بهاجس حماية بيئتنا الصحراوية من هذا التدمير لعذريتها, كيف يمكن أن نحافظ على نظافتها دون أن نحد من متعتنا بها؟ وكان الأمر بسيطاً في نظري, فلا يحتاج سوى وعي بالمسؤولية وجهد بسيط في جمع مخلفات الرحلات البرية في أكياس والتخلص منها في أقرب وعاء مخصص لذلك.
كنت أحدث نفسي في أمر النظافة البيئية وأنا أسير في الطريق عائداً للمدينة وأمامي سيارة حديثة الطراز، جميلة الهيئة، أخذ قائدها في لحظة جانب الطريق ثم فتح راكب فيها نافذتها وقذف كيسة بلاستيك مملوئة بالمخلفات, تعجبت من ذلك الفعل! فليس بيننا وبين محطة وقود على قارعة الطريق سوى بضع كيلومترات وفيها حاوية نفايات, كان بإمكان صاحب السيارة الجميلة أن يلقي بمخلفاته فيها, وبدون جهد كبير,
عدت أحدث نفسي هذه المرة, ما الذي جعل صاحب هذه السيارة, التي من الواضح أنه يعتني بجمالها وتلميعها لا يعي أن جمال الطريق يشمل خلوه من الملوثات؟ أهو إنسان لا يعي الجمال؟ أم هو إنسان لا يعي المسؤولية؟ أم هو ببساطة غائب الذهن عما يلوث في طريقه؟ أكملت طريقي عائداً للمنزل ولكن أصبحت مهموماً بحقيقة أن بيئتنا تدمر كل يوم بفعل جاهل أو مهمل, وباتت عيني تبصر ما لم أكن ألقي له بالاً في السابق, أرصفة مكسرة وطرق محفرة وقمامة متناثرة وأتربة ومخلفات بناء في كل الأرجاء, حينها أدركت كم هو قبيح ما نفعله لبيئتنا ومدننا.
في بلدان أخرى يفرضون غرامات باهظة وأحياناً يحكمون بالسجن على من يسيئ للبيئة, نحن بحاجة لإجراءات رادعة لكل مهمل أو مفسد للبيئة, تلك الإجراءات كفيلة بخلق الوعي إن لم يكن بالجمال فهو وعي باحتمال الخسارة أو العقاب, وهكذا يتغير تصرف الناس تدريجياً حتى تصبح العناية بالبيئة طبعاً من الطباع العامة,
إهمال نظافة البيئة هو طبع مكتسب وليس سمة لجنس ما, فكثير من الناس نظيف في هيئته ومنزله وسيارته ولكنه ملوث للبيئة المحيطة به والسبب فيما أظن, أن هذا الفرد يعلم أن عنايته بنظافته أمر شخصي ومثير للقبول عند الآخرين, في حين يرى أن لا مسؤولية عليه تجاه البيئة المحيطة, فهي مسؤولية الدولة أو البلدية أو أي شخص آخر, هذا التفكير يجب أن يتغير ويجب أن نعيب على من يلوث البيئة أو ذلك الذي لا يهتم بنظافة الشارع الذي يحيط بمنزله. فنظافة وجمال المدينة جهد جماعي.