د. جاسر الحربش
تتقدم الشعوب العربية على حكوماتها على الأقل في فهم خطورة الاستفراد ثم التفكيك، كما تتقدم أيضاً في الاستعداد لمقاومتها. لن يجازف أحد لو قال إن تقديم كل نظام حكم عربي حاضره على مستقبله هو السبب الأول في الاستفراد والتفكيك الحاصل في العالم العربي.
لو أخذنا الموقف العربي تجاه الكيان الصهيوني منذ بداياته كنموذج، سوف نجد أن الحكومات الإسرائيلية بمساعدة الإدارات الأمريكية كانت باستمرار ترفض الجلوس إلى مفاوضات حدود وسلام مكونة من عدة أطراف عربية. الإسرائيلي / الأمريكي كان يدخل مسألة اختلاف الأنظمة العربية في المصالح والتركيبات الاجتماعية ليقنع الحكومات العربية بكل سهولة أن الجلوس كمجموعة متماسكة غير منطقي. الحكومات العربية ومنذ منتصف القرن العشرين الماضي كانت تتحاشى الاتفاق والكلام بصوت واحد للوصول إلى هدف واحد هو المحافظة على الجغرافيا العربية. كل نظام حاكم يتحالف مع قوة عظمى من خارج المنطقة، لكن ليس ضد عدو يهدد العرب وإنما ضد نظام أو أنظمة حكم عربية أخرى. هذه الفوبيا العربية / العربية على مستوى الحكومات سهلت للأجانب عملية الاستفراد والحصول على تنازلات تصل أحياناًً إلى حدود الخيانات الوطنية، بما ترجمته التنازل عن بعض الأراضي الوطنية.
الآن وصلت الأمور إلى وجود عدة فؤوس أجنبية غائرة في الجسد العربي، والقتل أصبح بمئات الألوف والتهجير والهروب بالملايين.
الديموغرافيا العربية تشهد تسارعاًً مرعباًً في تغير التركيبات السكانية وتهجير ملايين الأسر والأطفال والعجائز إلى مخيمات الحدود الصحراوية العارية. الكيان الصهيوني أصبح على مشارف تحقيق إسرائيل الكبرى. إيران تتحكم بالمنطقة العربية من الحدود الشرقية للعراق إلى الشواطئ السورية واللبنانية على البحر المتوسط. الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تتقاسمان الوجود العسكري، ومن يملك السيطرة ولا يجد مقاومة يتحكم بالموارد والمستقبل والسكان.
مثل هذه الأوضاع المخزية تتطلب من البقية العربية الناجية حتى الآن في المشرق والمغرب العربي ليس القليل فقط من التنسيق وإنما الكثير وإلى أقصى الحدود لتفادي انهيارها هي أولاً، ثم لاسترجاع ما سلب بالقوة منها فيما بعد حسب الإمكانيات.
هل الشعوب العربية هي التي تتخاذل وتتآمر؟، لا أبداً وبالنفي المطلق، فالشعوب العربية تمتلك من الشجاعة والاستعداد للتضحية ما يفوق التوقعات. إنها الأنظمة الأنانية المتعادية، أما الشعوب، رغم أنها أشغلت في كل مكان بالجري خلف لقمة العيش، فهي على استعداد لتلبية نداء الواجب متى قررت الحكومات رفض سياسة الاستفراد والتفكيك.