د. خيرية السقاف
من مقوّمات الحياة أن يكون المرء فيها صالحاً لها،
والمتكلمون في شأن الصلاح بلا عدد، وكذلك في شأن الحياة،
فالناس جميعها تتكلم بما تعلم ، بما جربت، بما تعلمت، وعما حصدت من كل ذلك
لا يلام امرؤ يقول، لأنّ كل أحد يعيش، ويجرب، ويتعلم ، ومن ثم يعلم فيأتي بما في جرابه!!
لكن، كيف يقول؟ عميقاً يقع في المرمى كما تقع الرمية في الهدف؟!!..
صادقاً لا لبس فيه يضلل؟!! ..
واضحاً قابلاً للاقتداء والتَّمثل، أو جاذباً لهوة، موصلاً لمهلكة؟!!
اختيار التجربة، والتكلم عنها بمعرفة، وإيصالها في قالب قابل للأفهام لتعيها، وللقناعات لتتقبلها، وللعزائم لتطبقها، وللمدارك لإضافتها لما عند المرء ومن ثم بلورتها معه، إنما هو شأن المعلم، والكاتب، والمربي !!..
وإنّ إصلاح الإنسان في مسيرة الحياة ينبغي أن يكون شأناً دائماً دؤوباً كما جاء في أثر أُرسل يدعو الإنسان للتعلم من « المهد إلى اللحد»..
في وقتنا الراهن المكتبات، وورش العمل، والمناصحة الاجتماعية، وما أشيع وعُمم من اجتهادات لتطوير الذات كل ذلك ينصب في سعي دؤوب لأن تكون الحياة، والأحياء في صلاح يتسق، ويتناسق، ويندمج، ويتفاعل معاً، لينتج المرءُ بيئةً مناسبة لسعادته، وواقعاً يتنامى بعطائه..
وهذا يعني التوازن الفعّال لمنتج مثمر، ومستديم..
أضيف مؤخراً إلى مساعي الأفراد من هؤلاء ما هو مناسب جداً، وهو أمر حتمي للغاية الذي يحدث الآن من متغيرات في الشأن الاقتصادي، والسلوك الاستهلاكي للأفراد، وتقنين البدائل في مقابل تجاوز حد القانون في الشارع، ومع المقدرات العامة المشتركة، والخضوع لواجبات «إعادة « صياغة ثقافة الأفراد عن تفاصيل، وفي شروط أداء في الحياة العامة، والخاصة وفق برامج إصلاحية هدفها التصحيح من أجل الصلاح الفردي، والمجتمعي، ولا ينبغي أخذه بغير هذا الهدف، ولا تأليب النفس ضده لما تعوّدت عليه من الدّعة، والركون، والاستسلام للتسويف، والتمرير، وتجاوز ما يقره العقل سواء في الهدر المادي، والولع بالمظاهر، والتهاون في شؤون كثيرة، وفي تسطح المكتسبات المعرفية، لأنّ ما يحدث ينصب في بوتقة الإصلاح، ويحفز لتعميق ثقافة الفرد عن الحياة بشكلها الأعمق، وتدريب السلوك، وتوجيه الفكر نحو صياغات إيجابية في شأنها..
كذلك فإنّ ما ينبغي لصلاح المرء، ومن ثم صلاح حياته مع كل هذا، هو الالتفات إلى المسؤولية الأولى وهي تمكين الثقافة الدينية الصحيحة، وجعل القلوب مخازن للإيمان النقي، والجوارح أدوات لتطبيقه ، بشكل صريح ينعكس في سكينة النفوس، ورضا القلوب، وسعي الأقدام، ولهج الألسنة، ليتجه الصغير قبل الكبير دون الحاجة لتذكيره إلى الوضوء فالصلاة حين يرفع الأذان ، وللجلوس بين يديْ الله للدعاء، ثم المسؤولية الأخرى وهي تمكين الأفراد من المعرفة الشاملة ، بالتعليم والتعلُّم المواكبين لمنجزات الواقع العلمية، والفكرية، والمعرفية، والثقافية، بجعل العقول والهمم مناجم، ومختبرات، وعزائم، ومراجع، وحجج بشكل متمكن ينعكس في الطموح، والسعي، والإصرار، والمبادرة، والإنتاج، والصنع، أي تفعيل دور مؤسسات التعليم، والتربية، والثقافة، والإعلام من أدوارها بشكل آخر ينتج، ويؤثر، تظهر آثاره، وتنعكس واقعاً مخرجاته!!..
فلا إصلاح دون علم، وعمل ..
لا صلاح دون صلاح القلوب، والعقول، ومن ثم الجوارح،
ولا حياة تسعد بغير الاعتدال، والقناعة، والطموح والعمل، والرضا، والبذل الفردي، والمشاركة الجمعية، والوعي الصحيح.
ولعل فيما يحدث من التغيرات العامة في المجتمع ما يحقق هذا على مستويات المؤسسات المعنية لتتمثل الحياة في صلاحها للإنسان، بصلاح هذا الإنسان فيها فرداً ، وكلاً !! .