إبراهيم السماعيل
ما تعانيه تركيا الآن من اضطرابات واحتجاجات وما شهدته وما زالت خلال السنتين الماضيتين على الأقل من عمليات إرهابية يقف وراء جزء كبير منها النظامان الإيراني والسوري، وكذلك محاولة الانقلاب الفاشلة، وأيضاً ما حيكَ وما يُحاك من مؤامرات وخداع ضد تركيا ومنها حادثة إسقاط الطائرة الروسية، ولن يكون آخرها إبعاد تركيا عما يجري في كل من الرقة والموصل الآن، كل هذا ما هو إلا جزءٌ من خطةٍ أكبر هدفها معاقبة تركيا لوقوفها في وجه مخطط الشرق الأوسط الجديد الإجرامي.
في مقابل كل هذا التآمر الغربي ضد تركيا نجد هذا الغرب لا يمانع بل يدعم ويؤيد الانغماس الإيراني بل والقيادة الإيرانية بكل ما يجري من كوارث وإبادة في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان، بل والسماح للدور الإيراني في الانتشار السرطاني في كل الدول العربية والإسلامية.
بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع أردوغان وسياساته وطموحاته الشخصية إلا أن المراقب المحايد ذا الضمير الحي لا يستطيع تجاهل ديمقراطية تركيا في مقابل الوضع المأساوي للشعوب الإيرانية التي ترزح منذ ما يقارب الأربعة عقود تحت حكم ثيوقراطي وقمع وحشي لا يوجد مثيل له إلا في سوريا الأسد وكوريا الشمالية، على الرغم من قشور الديمقراطية الخادعة في إيران والتي لم ولن تنتج معارضة حقيقية، ولقد رأينا ما حل بالمعارضة الإيرانية عندما حاولت فقط مجرد رفع الصوت والاحتجاج على هذه الدكتاتورية المتوحشة بعد انتخابات 2009 المزورة، حيث قامت ميليشيات وعصابات جمهورية المرشد وجمهورية الشر والقمع بأبشع أنواع الإبادة ضد المتظاهرين، وقد نُقِل هذا على الهواء في حينه وزجت بقادتهم في السجون والمعتقلات والإقامة الجبرية إلى الآن، وكل منظمات حقوق الإنسان في العالم تعلم عن بشاعة وهول الإجرام الذي تمارسه هذه العصابات ضد المعتقلين، وعليه فإن المنطق والعقل يقول بأن من الأولى أن تعم المظاهرات والاضطرابات إيران وليس تركيا، والمنطق نفسه يقول إن على كل قوى العالم التي تدعي التحضر دعم هذه التظاهرات إلا أن العكس هو ما يجري الآن.
ليس من الإنصاف ولا من العدل ولا حتى من الإنسانية التركيز على ما يجري في تركيا الآن مع معرفة من افتعله في نفس الوقت الذي يهمل العالم الظروف الوحشية والبؤس الذي تعانيه الشعوب الإيرانية، والتي انصرفت فيها العصابة الحاكمة في إيران إلى مشاريع التوسع والتدمير والتخريب ورعاية ودعم الإرهاب بشقيه السني والشيعي في كل دول الجوار على حساب كرامة وحرية ورفاهية الشعوب الإيرانية، بعكس الحكومة التركية التي انتخبت بانتخابات حقيقية وليست هزلية كما هو الحال في إيران حيث إن الانتخابات التركية لا تقل نزاهة عن الانتخابات في الدول الغربية المتقدمة والتي -أي الحكومة التركية المنتخبة- بنت تركيا في العقدين الماضيين حتى أصبحت في مصاف الدول المتقدمة في كل شيء ابتداءً بالديمقراطية وليس انتهاءً بالاقتصاد، وبناء تركيا الحديثة التي أصبحت من أهم الوجهات الاستثمارية في المنطقة، حتى أصبح حجم الاقتصاد التركي أكبر بما يقارب الـ 10 مرات من الاقتصاد الإيراني البائس، على الرغم من نفط وغاز إيران الهائل وعلى الرغم من تساوي عدد السكان في الدولتين، إلا أن دخل الفرد التركي يفوق مثيله الإيراني عدة مرات.
كل هذا حدث ومازال يحدث تحت عنوان التآمر على تركيا ومعاقبتها لمحاولتها الوقوف في وجه مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بات يهدد أمنها القومي، والذي يعتمد على تغليب الأقليات الشيعية تحت قيادة فارسية، والكردية برعاية غربية أمريكية، وكذلك على نشر الإرهاب الداعشي المدعوم من إيران وبعض القوى الكبرى.
والسؤال هنا: هل تستطيع تركيا أردوغان الخروج منتصرة من هذا الفخ الغربي الماكر الذي نُصِبَ لها؟، وهل تستطيع تركيا السباحة والوصول إلى بر الأمان في هذا البحر اللُجي من التآمر عليها إكراماً للمشروع الفارسي في المنطقة والذي هو حجر الزاوية لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد والفوضى الهدامة التي نراها أمامنا الآن والتي تحاول كل قوى الشر إغراق تركيا فيها؟.