عبده الأسمري
من المتعارف عليه أن لأي مسؤول أو قيادي بطانة تسير حوله، يستأنس برأيها، تجود عليه بالرؤى، تشجعه إن أصاب وتبارك له، وتصوبه إن أخطأ، وتلتمس العذر له.. في سجلات قضايا الفساد كانت «البطانة» الحاضر الأكبر، وقد أطاحت بالعديد من المسؤولين الكبار، إما لثقة مسؤول في آرائهم، أو تمرير معاملات تحت توقيعه وفق «الثقة المطلقة» التي تلبسها الاتكاء على بطانة فاسدة، وفي حالات كان المسؤول الكبير طعمًا سهلاً لتكالب بطانته عليه، وأيضًا سُجلت حالات فساد وجود مسؤولين محترفين، يحتجون بالبطانة في تبرير الفساد، وحالات كان المسؤول والبطانة «سدنة»، يجتمعون لحراسة ملفات الفساد من أن تكتشف، وهذه تتطلب أن تكون البطانة من «شلة» المسؤول؛ لأن هذه العملية تخضع لعهود تبرم من تحت الطاولات، وتبرمج في الخفاء، وتجهز لها الوعود والمواثيق رغم أن الرقابة عندما فضحت بعض العمليات انكشفت الأوراق، وبانت خيوط اللعبة الظالمة، وتحول أعضاء شلة الفساد إلى أطراف تترامى بالاتهامات.
ونحن أمام حقبة جديدة، ووزارات تم تجديد دمائها، وهيكلة طالت معظم قطاعات البلاد، فإن المسؤولين الكبار أيًّا كانت مسمياتهم أو صفاتهم مطالبون بالتركيز على البطانة، بل عدم الارتهان إلى «البطانة» القادمة مع المسؤول من أفراد شلته السابقة، وكأن أسماءهم مسجَّلة معه في قرار تعيينه. وهذه أولى خطوات التصحيح. وهنالك أمر آخر، لا يقل أهمية، هو أن يتم تنظيف الجهات من «الحرس القديم» للمسؤول السابق؛ فهم إما أن يكونوا متكالبين ضد المسؤول الجديد، أو متحسرين على المسؤول القديم، أو أنهم يخططون جيدًا لتمرير خفايا فساد لم يكتمل، أو التعتيم على فساد اكتملت أركانه.
مشكلة المسؤولين الجدد المعينين أنهم يقعون في خطأين أساسيَّيْن، وهما جسيمان، أولهما اصطحاب شلة «المنصب»، وهذه كارثة؛ فهم ينقلون أشخاصًا مكثوا أعوامًا في وظائف سابقة؛ ليوكل إليهم وظائف جديدة في قطاع جديد، وهذا خطأ مهني وإداري، وحتى تنظيمي، أو أنهم يفتحون الآذان للبطانة القديمة للمسؤول المغادر، وهذا يشكل مصيبة في ظل أن المعلومات المنقولة ما هي إلا جرعة قديمة جاهزة وخلطة سرية لتسيير العمل وفق الأهواء، وفي كلتا الحالتين ماذا سنجني من المسؤول المعيَّن..؟؟!! سنجد أن البطانة السابقة لن تضيف شيئًا، وأن البطانة الجديدة القادم بها لا تعرف عن المهمة الجديدة أي شيء. هذان أمران أجزم أنهما كانا معولاً من معاول هدم التنمية وفساد الرأي، فضلاً عما يمكن أن يحدث من فساد جديد. وهنالك ثمة أمور أخرى تتعلق بهيئة مكافحة الفساد، أين هي من متابعة ملفات الفساد بكل أصنافه، صغرت أو كبرت، قلّت أو كثرت؟ فهو بقعة سوداء، ستشوه ساحات التنمية أيًّا كان تأثيرها.. ولماذا لا تواجه المسؤول المغادر بأخطائه إن وُجدت، وتعاقبه، في حين أنها لا بد أن تنقل للمسؤول الجديد ذلك حذرًا من فساد قادم، أو آخر تتم حياكة خيوطه؛ لتشكل رداء أسود يتلبس القطاع؛ فنعود للنقطة الأولى. أين هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة من كشف الأوراق بين مسؤول غادر وآخر قادم لوضع ميزان «الرقابة» بين كفتي المحاسبة والتحذير؟
الرؤية السعودية جادة في تحقيق الأهداف المتجددة في بلورة الخطط؛ ما يستدعي عاملين مهمين جدًّا، هما تنظيف القطاعات من الفساد من السطح حتى العمق؛ كي يتم القضاء على الرواسب التي طالما كانت نقاطًا تتشكل؛ لتكون دائرة قاتمة معتمة من الفساد والكساد. والأمر الآخر أن يتم تحذير المسؤولين الذين تم اختيارهم في هذه الحقبة؛ إذ إن الأخطاء لا تقبل ولا تغتفر؛ فالكل مسؤول، والجميع محاسب، وعلى الجهات الرقابية أن تضع خططًا استباقية لمنع الفساد، وأخرى طارئة لمواجهته وقمع أي فاسد على الملأ؛ حتى تسير رؤيتنا نحو المستقبل الطموح والغد المشرق.