أحمد المغلوث
كان رجل اشتهر في مدينته بالبخل الشديد إلى حد أطلق عليه البعض من معارفه «الحريص» ومن فرط حرصه على تنمية أمواله أنه فتح المجال واسعاً لتقديم الديون لكل محتاج في المدينة على شرط أن يسلمه صك بيته أو بستانه، وفي الماضي كان البعض من سكان المدينة تواجههم ظروف حياتية صعبة، لذلك يضطرون للتردد عليه وأخذ ما يحتاجونه من دين بعد أن يسلمونه صكوكهم وأمرهم لله، وتمضي الأيام بصاحبنا الحريص ليصبح من أشهر الأثرياء لا في مدينته الصغيرة في ذلك الزمن ولكن في المنطقة، ووصفوه معاصروه فقالوا: كان رجلاً نحيلاً، معروق اليدين، أشيب الشعر، بشرته قمحية..» حتى ابتسامته لا يجود بها إلا عندما يتسلم صك بيت أو بستان أحدهم، ومع هذا وعندما يتردد على مجالس معارفه وأصحابه من أعيان المدينة فهو يتسم بلطف الحديث وروعة الحوار، ولم يتأخر يوماً عن مناسبة اجتماعية، أفراحاً أو عزاء فتجده دائماً في صدر المجلس.. والجميع يتوددون إليه بل يسعون جاهدين إلى دعوته إلى مناسباتهم. فنسبة كبيرة منهم وضعوا صكوكهم لديه.. ففي الماضي وللظروف الحياتية الصعبة كانت الحاجة وراء الاستدانة رغم أن الجميع على علم بأن «الدين هم بالليل ومذلة بالنهار» لكن ما لعمل في غياب البنوك والمصارف وحتى القروض الحكومية؟ كان من يحتاج لزواج ابنه أو لشراء بيت يسكن فيه مع أسرته يسارع إلى أمثال «الحريص» راجياً أن يتكرم عليه بمنحه ما هو بحاجة إليه من مال.. وفي كل الأحوال كان الفائز في هذه العملية «الحريص» فهو دائماً الذي يكسب في هذه العملية، وكان الله في عون من سعى إلى الاستدانة منه أوغيره ممن يمارسون نفس النشاط.
فكم شعر الساعي إليهم من ذل.. وكم عانى بعد ذلك من مهانة عند عجزه عن السداد والوفاء بما ترتب عليه من مبالغ وفوائد، وكان الحل بعد ذلك هو التفريط في صك بيته أو بستانه.. وهكذا استطاع هذا «الحريص» أن يكوّن ثروة من الأموال والبساتين «النخيل» والعقارات، وتمضي الأيام ويرحل «الحريص» إلى رحمة الله، وبعد شهور وكنت حاضراً في أحد المجالس وأنا ما زلت فتى صغيراً لكنني كنت أصيخ السمع لحديث أحدهم لصاحبه الذي قال: لقد سمعت أن صاحبك الحريص -رحمه الله- قد ترك ثروة كبيرة. فهز الرجل رأسه وقال» كلا. إنه لم يفعل ذلك.. وعندما رأى الدهشة في وجه صاحبه قال: إن «الحريص» لم يترك شيئاً.. بل أخذوها منه «رغم أنفه» لقد ورثوه.. رحمة الله عليه..!
تغريدة: من أروع الكلمات والعبارات التي يتمنى كل مواطن ومقيم أن يطالعها. (لقد تم إيداع مبلغ... في حسابكم)