د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
قبل أيام تم انتخاب هيئة جديدة للصحفيين، وتشرفت بحضور اللقاء الذي تم فيه انتخاب الهيئة الجديدة وبلقاء بعض الزملاء القدماء، ولكن الأهم أنني سرت واستمتعت بالطريقة التي تم بها اللقاء بالرغم من بعض البطء في إجراءات التسجيل. كان اللقاء ساخناً وصريحاً، وتمت الانتخابات بمنتهى الشفافية والنزاهة برقابة خمس جهات: الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وزارة الثقافة، جمعية الإعلام والاتصال، والغرفة التجارية، ووزارة العمل. وكانت أجواء الانتخابات مثالية من حيث الشفافية والمكاشفة والحميمية. ويحسب لأعضاء مجلس الإدارة السابق، رغم غياب معظمهم بشكل أقل ما يقال عنه أنه غير لائق، أنهم تقبلوا النقد الحاد أحياناً بكل أريحية ورحابة صدر.
حضور اجتماع الانتخابات، التي تمت بشكل حضاري رائع سواء من الحضور المشاركين أو المراقبين نقلني إلى فضاءات خيالية أرحب وأوسع من القاعة الصغيرة نسبياً التي تمت فيها الانتخابات، وتساءلت لِمَ لا يعمم هذا الأسلوب في اختيار أعضاء مجالس الإدارة إلى كافة المجالات الأخرى التي لا زالت الإدارات فيها تعيّن بناءً على التوصيات، التي قد تتأثر أحيانًا بالمحسوبيات أو في أسواء الأحوال بالأهواء الشخصية؟.. ومن أهم هذه المجالات مجالات الشورى، والتعليم وخاصة الجامعي، ومجالات إدارات البلديات والوزارات.. لأن الأسلوب التقليدي في التعيينات بناء على التوصيات لم يأت دائماً بالأفضل كما كان متوقعاً.. وحتى في الحالات الكثيرة التي أتى بها أسلوب التعيين بأناس أكفاء للمنصب تظل التساؤلات تدور في خلد المواطن عن أسباب عدم إشراكه في ذلك؛ لا سيما في الشئون التي تمسه مباشرة. فإحساس المواطن بالمشاركة في إدارة شئون وطنه يسهل أمور الإدارة على المسؤولين ويزيد التقارب والتلاحم بين المواطن والدولة. وغياب ذلك قد يفقد العضو المعين في أسوأ الأحوال الإحساس بالاهتمام بالمواطن لأن اهتمامه وولاءه يكون دائماً منصباً على إرضاء من أتى به للمنصب، وقد يحجب عنه بعض الحقائق أو يقدم له معلومات غير دقيقة للوصول إلى ذلك.
انتخابات هيئة الصحفيين والأسلوب الذي تمت به أوضح بما لا يترك مجالاً للشك أن المجتمع جاهز للمشاركة بمثل هذه الانتخابات؛ لأن المجتمع تعلم وتطور بشكل كبير، وأصبح قادراً وبشكل كبير على التمييز بين الأمور الموضوعية والأمور الشخصية، ويحرص على اختيار من يعتقد أنه الأفضل بصرف النظر عن كل الاعتبارات الأخرى التي تثير التوجسات من مشاركته. ولذا أتت الانتخابات بمجلس إدارة جديد حظي بثقة وموافقة الأغلبية الغالبة.. وجاء المجلس متنوعاً به نسبة لا بأس بها من الصحفيات اللائي بلا أدنى شك حظين بتزكية من زملائهن من الصحفيين، وفي هذا أيضاً رد قاطع على كل من يتهم المجتمع السعودي بالتفريق ضد المرأة.
وللأسف فمع أن الانتخابات كانت لهيئة من الإعلاميين إلا أن التغطية الإعلامية لم تكن بقدر أهمية المناسبة ذاتها، لأن مثل المناسبات يمكن أن تستثمر إعلامياً في تثقيف الشعب على ثقافة الانتخاب لأن ذلك ينطوي على قدر كبير من الأمور الاجتماعية التثقيفية كاحترام الاختلاف، وتعلم أسلوب الحوار، واحترام الإنسان بصرف النظر عن جنسه أو انتمائه الاجتماعي.
وأكاد أجزم أن أسلوب الانتخابات لإدارات المؤسسات الحكومية، وغير الحكومية سينفض غبار الركود والبيروقراطية عنها وسيحسن أداءها بشكل لا يمكن تخيله من قبل، وربما يكون هذا الأسلوب في الاختيار خير معين وأكبر داعم لتحقيق الرؤية التي ينشدها مجتمعنا في المستقبل القريب. فالانتخابات ليست عمليات اختيار فقط ولكنها تنطوي على الكثير من التجارب التثقيفية المهمة، وهي مناسبات لسماع رأي المواطنين بلا وسطاء.
وأعتقد -والله أعلم-، أن أكثر قطاع حالياً بحاجة لمثل هذا الإجراء؛ هو قطاع التعليم بفئتيه العام والعالي، ففي إشراك مدرسي المدارس مثلاً في انتخاب إداراتهم في اجتماعات مفتوحة بحضور الطلاب تجربة تثقيفية لا تقدر بثمن للتعويد على احترام الرأي والرأي الآخر.. وهو ما فتئت إدارات التعليم في بلادنا على ترديده كهدف تعليمي رئيس. وتطبيق النظام ذاته في الجامعات سيخلصها من كثير من المحسوبيات، وعدم الشفافية، والطبقية الأكاديمية وسوء استخدام الصلاحيات التي تعاني منه بعض إداراته حالياً.
شخصياً أحسست بالاطمئنان على مستقبل الهيئة، وأحسست بثقة تامة في المجلس الجديد؛ لأنني وفقت بالتصويت لكثير ممن تم اختيارهم للمجلس، وهذا هو الشعور الذي يحس به أيّ ناخب تجاه من يعتقد أنه يمثله. فالثقة مطلوبة لإنجاز أيه عمل وتحمل أية مسؤولية. نتمنى لمجلس الإدارة الجديد كل التوفيق والسداد وأن ينهضوا بالهيئة من جديد.