الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأزكى الصلاة والسلام على معلم الناس الخير وهادي البشرية إلى الرشد وداعي الخلق إلى الحق ومخرج الناس من الظلمات إلى النور البشير النذير والسراج المنير نبي الرحمة صاحب اللواء المعقود والمقام المحمود والحوض المورود عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وبعد:
إن قضية المرأة في جميع أنحاء العالم المتمدن وغير المتمدن يوم إِذ انطلق من جزيرة العرب من فوق رمالها الدكناء وسهولها الجرداء وجبالها الشامخة من مكة نزل الوحي من السماء على قلب محمد عليه السلام ليكون من المبشرين والمنذرين قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (192) - (195) سورة الشعراء.
هذا القران يضع الميزان الحق لكرامة المرأة ويعطيها حقوقها كاملة غير منقوصة ويرفع عن كاهلها أوزار الإهانات التي لحقت بها عبر التاريخ التي صنعتها أهواء الأمم.
هذا القرآن يعلن إِنسانيتها الكاملة وأهليتها الحقوقية التامة ويصونها عن عبث الشهوات وفتنة الاستمتاع بها استمتاعًا جنسيًا حيوانيًا ويجعلها عنصرًا فعالاً في النهوض بالمجتمعات وتماسكها وسلامتها.
مبادئ الإسلام في حقوق المرأة: تتلخص المبادئ الإصلاحية التي أعلنها الإسلام على لسان محمد عليه الصلاة والسلام في المبادئ التالية:
1- المرأة كالرجل في الإنسانية سواءً بسواء قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام (النساء شقائق الرجال).
2- دفع عنها اللعنة التي كان يلصقها بها رجال الديانات السابقة فلم يجعل عقوبة آدم بالخروج من الجنة ناشئ من حواء وحدها بل منهما معًا قال تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأخرجهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}، ويقول عن آدم وحواء {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} ويقول عن توبتهما {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} بل إن القران في بعض آياته قد نسب الذنب إلى آدم وحده قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} ثم قرر مبدأ آخر يعفي المرأة من مسؤولية أمها حواء وهو يشمل المرأة والرجل على السواء {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
3- إنها أهل للتدين والعبادة ودخول الجنة إن أحسنت ومعاقبتها إن أساءت كالرجل سواء بسواء يقول تعالى: {مَنْ عَمِلَ صالحًا مِّن ذَكَرٍ أو أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأحسن مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (97) سورة النحل.
وقوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أو أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (124) سورة النساء.
ويقول تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَة فَلَا يُجْزَى إلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صالحًا مِّن ذَكَرٍ أو أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} (40) سورة غافر
ويقول تعالى: {فَاستجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أو أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} (195) سورة آل عمران.
ويقول تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أولئك سَيَرحمهم الله إن اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة.
وانظر كيف يؤكد القرآن هذا المبدأ في الآيات التالية:
قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كثيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَة وَأَجْرًا عَظِيمًا} (35) سورة الأحزاب.
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أمرًا أن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بهتانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (58) سورة الأحزاب.
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أنا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شعوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إن أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إن اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات.
وقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أنه لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَاستغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (19) سورة محمد.
وقال تعالى: {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفورًا رَّحِيمًا} (73) سورة الأحزاب.
4- حارب التشاؤم بها والحزن يوم ولادتها كما كان شأن العرب وما يزال شأن كثير من الأمم ومنهم بعض الغربيين قال تعالى منكرًا هذه العادة السيئة {وإذا بُشِّرَ أحدهم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} (58) سورة النحل.
5- حرم وأدها وشن على ذلك أشد تشنيع فقال تعالى: {وإذا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} (8) - (9) سورة التكوير، وقال {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أولاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (140) سورة الأنعام.
6- أمر بإكرامها أما وزوجة وبنتًا وأختًا وعمة وخالة، أما إكرامها بنتًا فقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة منها قوله عليه السلام (ايما رجل كانت عنده وليدتان فعلمهما وأحسن تعليمهما وأدبهما فأحسن تأديبهما وزوجهما كانتا له سترًا وحجابًا من النار) وأما إكرامها بصفتها زوجة فإن هناك الكثير من الآيات والأحاديث منها قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إليها وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّة وَرَحْمَة إن فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم.
وقوله عليه السلام (خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة إن نظر إليها سرته وإن أمرها أطاعته وإن غاب عنها حفظته) وقال عليه السلام (ما كسب المرء بعد إسلامه خير له من امرأة صالحه تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها وماله فيما يكره)، وقال عليه السلام (تزوجوا الولود الودود فإني مبأه بكم الأمم يوم القيامة) والودود هي التي لا يسمع منها لومًا أو عتابًا وتظهر أمامه في أبها حلة وأزكى رائحة وتلبي رغبته المشروعة بحيث تحقق قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} (187) سورة البقرة، وأما إكرامها بصفتها أمًا فقد جاء في آيات وأحاديث كثيرة قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (15) سورة الأحقاف
وقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أولاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أراد أن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (233) سورة البقرة، وجاء رجل إلى النبي عليه السلام فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، ثم أمك ثم أمك ثم أبيك) وجاء رجل إلى النبي عليه السلام فقال أريد الجهاد في سبيل الله فقال له النبي عليه السلام أمك حيه قال نعم قال الزم رجلها فثم الجنة.
7- رغب في تعليمها كالرجل قال عليه السلام (إيما رجل كان عنده وليده فعلمها فأحسن تعليمها....) وقال أيضًا (طلب العلم فريضة على كل مسلم) وقد اشتهر هذا الحديث على ألسنة الناس بزيارة ومسلمة وهذه الزيادة لم تصح رواية ولكن معناها صحيح فقد اتفق العلماء على أن كل ما يطلب من الرجل تعلمه يطلب من المرأة.
8- أعطاها حق الإرث امًا وزوجة وبنتًا كبيرة كانت أم صغيرة أو جنينًا في بطن أمها أو كانت أختًا.
9- نظم حقوق الزوجين وجعل لها حقوق كحقوق الرجل مع رئاسة الرجل لشؤون البيت وهي رئاسة غير مستبدة ولا ظالمه قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} (228) سورة البقرة.
10- نظم قضية الطلاق بما يمنع من تعسف الرجل فيه واستبداده في أمره فجعل له حدًا لا يتجاوزه وهو الثلاث وقد كان عند العرب ليس له حد يقف عنده وجعل لإيقاع الطلاق وقتًا فلا يقع الطلاق في أثناء الدورة الشهرية، ولا يقع أيضًا في طهر واقعها فيه واعتبر الطلاق بالثلاث بلفظ واحد غير واقع لأنه طلاقًا بدعيًا وجعل لأثره عدة تتمثل بتكرر الدورة ثلاث مرات تتيح للزوجين العودة للصفاء والوئام.
11- جعل تعدد الزوجات مشروطًا بإقامة العدل التام في جميع نواحي الحياة قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ إلا تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَة} (3) سورة النساء.
وقال تعالي: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فإن اللّهَ كَانَ غَفورًا رَّحِيمًا} (129) سورة النساء، لا هي ذات بعل ولا هي مطلقه وقد كان التعدد عند العرب وغيرهم من الأمم التي تتيح التعدد غير مقيد بعدد معين.
12- جعلها قبل البلوغ تحت وصاية أوليائها وجعل ولايتهم عليها ولاية رعاية وتأديب وعناية بشؤونها وتنمية أموالها لا ولاية تملك واستبداد وجعلها بعد البلوغ والرشد كاملة الأهلية للالتزامات المالية كالرجل تمامًا سواء بسواء ومن تتبع احكام الفقه الإسلامي لم يجد فرقًا بين أهلية الرجل والمرأة في شتى أنواع التصرفات المالية كالبيع والإقالة والخيارات والسلم والصرف والشفعة والإجارة والرهن والقسمة والإقرار والوكالة والكفالة والحوالة والصلح والشركة والمضاربة والوديعة والهبة والوقف والوصية وغيرها.
الثمرة من هذه المبادئ الاثني عشر نعلم أن الإسلام أنزل المرأة المكانة اللائقة بها في ثلاثة مجالات رئيسة:
1- الاعتراف بإِنسانيتها كاملة كالرجل وهذا ما كان محل شك أو إنكار عند أكثر الأمم المتمدنة السابقة.
2-المجال الاجتماعي فقد فتح أمامها مجال التعليم وأسبغ عليها مكانة اجتماعية كريمة في مختلف مراحل حياتها منذ طفولتها وحتى نهاية حياتها، بل إن هذه الكرامة تنمو كلما تقدمت في عمر من طفلة إلى زوجة إلى أم حيث تكون في الشيخوخة التي تحتاج معها إلى مزيد من الحنو والإكرام والاحترام.
3- الحقوق: فقد أعطاها الأهلية المالية الكاملة في جميع التصرفات حين تبلغ سن الرشد ولم يجعل لأحد ولاية من أب أو زوج أو غيره وجعل الحق بالزواج لها فلا تزوج إلا بإذنها قال عليه السلام «لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر فليس للولي الحق في الاجبار» كما أن هذا الولي ليس له الحق في الامتناع عن تزويجها من شخص توافرت فيه صفة الكفاءة مع رضاها به.
ومع هذا فإننا نجد الإسلام قد فرق بين الرجل والمرأة في بعض المجالات لضرورات اجتماعية واقتصادية ونفسية اقتضت ذلك وإليك البيان:
1- في الشهادة: جعل الإسلام في الشهادة التي تثبت الحقوق المالية شهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين وذلك في قوله في آية المداينة {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } (282) سورة البقرة، والواضح أن هذا التفاوت هنا لا علاقة له بالإنسانية ولا الكرامة ولا الأهلية فما دامت المرأة إِنسانة كالرجل كريمة ذات أهلية كاملة للتحمل كالرجل لم يكن اشتراط اثنين مع رجل إلا لأمر خارج عن كرامة المرأة واعتبارها واحترامها وإذا لاحظنا أن الإسلام مع إباحته للمرأة التصرفات المالية يعد رسالتها الاجتماعية هي التوافر على شؤون الأسرة وعلى ما يقتضيها لزوم بيتها في غالب الأوقات خاصة أوقات البيع والشراء أدركنا أن شهادة المرأة في حق يتعلق بالمعاملات المالية بين الناس لا يقع إلا نادرًا أو ما كان كذلك فليس من شأنها أن تحرص على تذكرة حين مشاهدته فإنها تمر به عابرة قد لا تلقي له بالاً فإذا جاءت تشهد به كان أمام القاضي احتمال نسيانه أو خطاها فإذا شهدت امرأة أخرى بمثل ما تشهد به زال احتمال النسيان أو الخطأ والحقوق لا بد من التثبت فيها وعلى القاضي أن يثبت غاية جهده لإحقاق الحق وأبطال الباطل هذا هو كل ما في الأمر وقد جاء النص عليه صراحة في قوله تعالى بتعليل اشتراط المرأتين بدلاً من الرجل الواحد {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} أي خشية أن تنسى أو تخطئ إحداهما فتذكرها الأخرى بالحق كما وقع ولهذا المعنى نفسه ذهب كثير من الفقهاء إلى أن شهادة المرأة لا تقبل في الجنايات وما ذلك إلا لرقتها وقوة عاطفتها وسرعة تأثرها لرؤية الجريمة مع أن الشريعة الإسلامية قبلت شهادتها وحدها فيما لا يطلع عليه غيرها أو ما تطلع عليه دون الرجال غالبًا فقد قرروا أن شهادتها وحدها تقبل في إثبات الولادة، والرضاعة، وفي إثبات الثيوبة والبكارة، وفي العيوب الجنسية لدى المرأة، وهذا حين كان لا يتولى توليد النساء وتطبيبهن والاطلاع على عيوبهن الجنسية إلا النساء في العصور الماضية فليست المساءلة إذن مسألة إكرام وإهانة وأهلية وإنما هي مسألة التثبت في الأحكام واحتياط في القضاء بها وهذا ما يحرص عليه كل تشريع عادل، ولهذا فلا يسوغ الطعن في الإسلام أو العيب في التشريع الإسامي في مثل هذه القضايا.
2- الميراث: أثبت الإسلام تقديره للمرأة ورعايته لحقوقها بإعطائها حق الميراث خلاف لما كان عليه العرب في الجاهلية وكثير من الشعوب القديمة وبعض الشعوب في العصر الحاضر بالنسبة للمرأة، وهذا النصيب يختلف الأثر بين حالات بين أن يكون نصيبها مثل نصيب الرجل كما في ميراث الأخوة لأم فإن الواحد منهم يأخذ السدس رجلاً كان أو امرأة وإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث على حد سواء وكذا الشأن مع الأب والأم فلكل واحد منهما السدس في كثير من الحالات، بل إن الأم قد تأخذ ضعف نصيب الأب في حالة كون الورثة زوجًا وأمًا وأبًا أو يكون سهمها قريبًا من الأب في حالة كون الورثة زوجة وأمًا وأبًا فإن للأم في المسألة الأولى الثلث وللأب الباقي وهو السدس وفي المسألة الثانية تأخذ الزوجة الربع 3 وتأخذ الأم الثلث 4 ويأخذ الأب الباقي 5، فمسألتهم من 12 كما أن المسألة الأولى زوج وأبوان المسألة من 6 يأخذ الزوج النصف 3 وتأخذ الأم الثلث 2 ومصير الأب إلى السدس 1 وهناك مسائل أخرى تأخذ المرأة مثل نصيب الرجل أو ضعفه كما في مسألة بنت وأب فللبنت النصف وللأب الباقي أو قد تأخذ المرأة ضعف نصيب الرجل في قضية بنتان وأخ شقيق أو أخ لأب أو بنتان وزوجة وأم وأب، والأمثلة في هذا كثيرة أما أن يأخذ الابن ضعف نصيب البيت كما في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} فالأمر في هذا يتعلق بالعدالة في توزيع الأعباء والمسؤوليات والواجبات على قاعدة الغرم بالغنم ففي نظام الأسرة يلزم الرجل بأعباء وواجبات مالية لا تلزم بمثلها المرأة فهو الذي يدفع المهر وينفق على الزوجة والأولاد أما المرأة فهي تأخذ المهر ويلزم الزوج بالإنفاق عليها في المسكن واللباس والطعام والشراب والتداوي ووسائل النظافة والزينة ولو كانت غنية من هنا كان من العدالة أن يكون نصيبها في الميراث أقل من نصيب أخيها؛ لأن ما حصلت عليه من التركة سينمو وينمو بالتجارة فيه أو بأية وسيلة مباحة من وسائل الاستثمار، ولهذا فإن ما تأخذه البنت من تركة أبيها يبقى رصيدًا بين يديها لفقد من يعينها عند احتياجها.
3- دية المرأة: جعلت الشريعة دية المرأة التي قتلت خطأ أو التي لم يستوجب قاتلها عقوبة القصاص لعدم استيفاء شروطه بما يعادل نصف دية الرجل وقد يبدوة هذا غريبًا بعد أن قرر الإسلام مساواتها بالرجل في الإنسانية والأهلية والكرامة الاجتماعية غير أن الأمر لا علاقة له بهذه المبادئ إنما هو علاقة وثيقة بالضرر الذي ينشى للأسرة عن مقتل كل من الرجل والمرأة أن القتل العمد يوجب القصاص من القاتل سواءً كان المقتول رجلاً أم امرأة وسواءً كان القاتل رجلاً أم امرأة، وهذا لأننا في القصاص نريد أن نقتص من إنسان لإنسان والمرأة والرجل متساويان في الإنسانية أما في القتل الخطأ فليس أمامنا إلا التعويض المالي وصيام شهرين والتعويض المالي يجب أن تراعي فيه كما في مبادئه المقررة الخسارة المالية قلة وكثرة فهل خسارة الأسرة بالرجل كخسارتها بالمرأة؟ أن الأولاد الذين قتل أبوهم خطأ والزوجة التي قتل زوجها خطأ قد فقدوا معيلهم الذي قد كان يقوم بالإنفاق عليهم والسعي في سبيل إعاشتهم أما الأولاد الذين قتلت أمهم خطأ والزوج الذي قتلت زوجته خطأ فهم لم يفقدوا فيها إلا ناحية معنوية لا يمكن أن يكون المال تعويضًا عنها.
إن الدية ليست تقديرًا لقيمة إنسانية في القتيل وإنما هي تقدير لقيمة الخسارة المادية التي لحقت أسرته بفقده، وهذا هو الأساس الذي لا يمارى فيه أحد ومما يؤكد هذا المعنى أن القوانين جعلت للدية حدًا أعلى وحدًا أدنى، وتركت للقاضي تقدير الدية بما لا يقل عن الأدنى ولا يزيد على الأعلى، وما ذلك إلا لتفسح المجال لتقدير الأضرار التي لحقت بالأسرة من خسارتها بالقتيل وهي تتفاوت بين كثير من الناس ممن يعملون ويكدحون فكيف لا تتفاوت بين من يعمل وينفق على أسرته وبين من لا يعمل ولا يكلف بالإنفاق على أحد بل كان ممن يُنفق عليه وأن ذلك مرتبط بفلسفة الإسلام بعدم تكليف المرأة بالكسب للإنفاق على نفسها وعلى أولادها رعاية لمصلحة الأسرة والمجتمع.
أما في المجتمعات التي تقوم فلسفتها بعدم إعفاء المرأة من العمل لتعيل نفسها وتسهم في الإنفاق على بيتها وعلى أطفالها فإن من العدالة حين إِذ إن تكون ديتها إذا قتلت معادلة على العموم مع دية الرجل القتيل.
الخلاصة أن الإسلام بعد أن أعلن موقفه الصريح من إنسانية المرأة وأهليتها وكرامتها نظر لطبيعتها وما تصلح له من أعمال الحياة فأبعدها عن كل ما يناقض تلك الطبيعة أو يحول دون أداء رسالتها كاملة في المجتمع ولهذا خصها على الرجل ببعض الأحكام بزيادة أو نقصان كما أسقط عنها لذات الغرض بعض الواجبات الدينية والاجتماعية كصلاة الجمعة ووجوب لباس الإزار والرداء عند الإحرام بالعمرة أو الحج والجهاد والصلاة في حال الدورة والنفاس وأذن لها بالفطر في رمضان إذا كانت حاملاً أو مرضعًا وغير ذلك وليس في ذلك ما يتنافى مع مبدأ مساواتها بالرجل في الإنسانية والأهلية والكرامة ولا تزال التشريعات والقوانين في كل عصر وفي كل امة تخص بعض الناس ببعض الأحكام لمصلحة يقتضيها ذلك التخصيص دون أن يفهم منه أي مساس بمبدأ المساواة بين المواطنين في الأهلية والكرامة.
وصفوة القول: إن عقد الزواج كما عرفه العلماء بأنه ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يظهر أثره في محله أو هو عقد وضعه الشارع يفيد بطريق الأصالة ملك استمتاع الرجل بالمرأة وحل استمتاع المرأة بالرجل وعليه فإن هذا العقد يرتب حقوقًا للمرأة وحقوقًا للرجل وحقوقًا مشتركة، فحقوق المرأة تتمثل في ثبوت الحق لها في المهر وحقها في النفقة وحقها في العدل وحقها بحسن المعاشرة بالمعروف، أما حقوق الرجل فتتمثل في: الانتقال بها إلى بيته مع توفر الأمن لها واستيفاء المنزل بالمرافق اللازمة، وحق السفر بها مع أمن الطريق وأمن البلد التي ستقدم إليها، وحق عدم الخروج من منزله إلا بإذنه، وحق عدم الإنفاق من ماله إلا بإذنه، أما الحقوق المشتركة فحق الاستمتاع، حق التوارث، حق حرمة المصاهرة، وحق المعاشرة بالمعروف قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما والله إني لأحب أن أتجمل لامرأتي كما أحب أن تتجمل هي لي، ولا ريب أن قيام المرأة بحقوق الزوجية كاملة وبذل جهدها في الحفاوة به وحسن الرعاية يرفع مكانتها إلى أن يعدل سلوكها هذا ما يحصل عليه الرجال من إقامة الصلوات الخمس والجمعة والحج والعمرة والجهاد في سبيل الله ويحسن أن نستشهد بحديث أسماء بنت يزيد بن عبد الأشهل، الأوسية رضي الله عنها، وقد اشتهرت أسماء بأنها خطيبة النساء، وذلك لفصاحتها ولباقتها وقوة حفظها، وسرعة استجابتها، حين أتت أسماء النبي عليه الصلاة والسلام وهو في أصحابه فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك وبإلهك وبما جئت به، وإنا معشـر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا في الجمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجًا أو مجاهدًا حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفلا نشارككم في هذا الفضل؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ثم قال: «هل سمعتم بمقالة امرأة قط أحسن في مسائلها في أمر دينها من هذه؟» فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام إليها فقال: «افهمي أيتها المرأة، وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تَبَعُّل المرأة لزوجها واتباعها موافقته، وطلبها مرضاته، يعدل ذلك كله» فانصرفت وهي تهلل.
- استاذ الدراسات العليا بجامعات المملكة ومعاهدها العليا وعضو المجلس العلمي بجامعة الإمام وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، والخبير بمجامع الفقه الإسلامي الدولي ورابطة العالم الإسلامي