د. جاسر الحربش
في اليوم الذي يذهب فيه التلاميذ والطلبة من الجنسين بملابس عملية إلى المدارس، نستطيع الاستبشار ببداية تعليم مفيد.
الملابس العملية هي تلك التي لا تعيق الحركة الحرة ولا التعامل مع الجهاز والآلة ولا تتطلب رفع الجزء المتهدل من اللباس عند استعمال الدرج.
أعتقد أن أول سؤال يطرحه الأجنبي عند وصوله أول مرة للسعودية هو كيف يستطيع هؤلاء الناس أداء الأعمال اليومية، غير الأكل والكلام.
من أظرف المناظر عندنا مشاهدة مضاربة أو هوشة بين رجلين أو حتى سيدتين، والاستمتاع بما يحدث أولاً لأغطية الرؤوس، ثم بمحاولات رفع ما يتدلى من الركبة إلى الأسفل لتسهيل عملية اللكم واللطم من الأعلى والرفس والركل من الأسفل.
لكن دعونا من المزاح، ولننظر في العلاقة بين الملابس وارتباطها بنية تعلم المهارات الإنتاجية، أي بالتحديد المهارات غير ذات العلاقة المباشرة بالحفظ ثم النسيان مباشرة بعد الامتحان.
لا نحتاج إلى الخيال ويكفينا مشاهدة بعض الأفلام التعليمية من مدارس الهند أو ماليزيا، وليس بالضرورة من مدارس اليابان أو الصين، للتعرف على الزي المدرسي المناسب والمتفق عليه بعد دراسات اجتماعية وتربوية.
الأصل في موضوع الزي المدرسي أن يكون ملائماً لكل النشاطات التعليمية في المدرسة وحافظاً لهيبة كل الأطراف المشاركة في المهمة التعليمية، ومميزاً للتلميذ والطالب في مكان الدراسة عن تواجده خارج المكان التعليمي.
من متطلبات الزي المدرسي المناسب أن يصلح للانتقال من مقاعد الجلوس والشرح إلى مكان العمل والتطبيق في المختبر وورش المهارات اليدوية بأنواعها.
كل ما قد يحتاجه التلميذ والطالب هو سحب رداء (بالطو) وقفازين من دولابه الخاص في المدرسة للتعلم والتدرب على الآلات في أماكن الزيوت والشحوم.
أي زيوت وأي شحوم في المدرسة؟، هذا سؤال لن يكون غريباً في المجتمع السعودي الذي لا يدري أن مدارس الآخرين تحتوي أجنحة جانبية كبيرة بها آلات ومحركات ومخارط ومناجر.
الهدف من ذلك ليس تكديس أجيال عمالة يدوية، وإنما اكتشاف المواهب والمهارات اليدوية والتفكيكية والتركيبية منذ الأعمار المبكرة.
هذه الآلية تسهل على التلميذ والأهل والمجتمع عملية الاستثمار المناسب للمواهب والمهارات الكاملة بدون تضييع الوقت والأموال على دراسات فاشلة لا تكتشف إلا بعد فوات الأوان.
ما لم يشمر التلاميذ والتلميذات والطلبة والطالبات عن سواعدهم في المدارس ويتعاملون مع أدوات وآليات الإنتاج المهني والمعلوماتي التطبيقية ليعودون إلى البيوت مستوعبين بالممارسة للمادة العلمية النظرية، لن تتحقق القيمة الأولى في التعليم، وهي صنع الأجيال المنتجة والمفكرة.
المختصر، مهما حاولت وزارة تعليم بعد وزارة تحسين المخرجات بألسنة ببغائية وأجساد مشلولة، لن نتحرك من المكان الذي نحن فيه.