عبد الله باخشوين
أوضح «تصنيف» للمثقف.. هو ذاك الذي قالت به «الماركسية».. حيث اعتبرت «المثقف» بمنزلة «مؤيد» للثورة.. و»عنصر» غير فعال لا يمكن الاعتماد عليه في المشاركة فيها لأنه عاجز عن القيام بأي دور فعلي.. وصفته ضمن «الطبقة الرثة» العاجزة عن الفعل.
وطبعًا هذا مفهوم متطرف مضاد لـ«المثقف» الذي استعانت به الماركسية في كل خطواتها الدعائية.
أما أفضل «تعريف» في رأيي.. فهو ذاك الذي قال به الفيلسوف والمفكر الوجودي جاب بول ساتر الذي يقول: «المثقف هو إنسان يتدخل.. ويدس أنفه فيما لا يعنيه»..؟!
فيما نجد أن مفكرًا عربيًا مثل هشام شرابي يربط المثقف بانتمائه الفكري ويقول إن: «صفة المثقف هي الوعي الاجتماعي الكلي بقضايا المجتمع من منطلق بناء فكري محكم».. وهو نفس المعنى الذي كان قد ذهب إليه المفكر الإيطالي غرامشي حين قال: إن المثقف: «لا يشكل انعكاسًا للطبقة التي ينتمي إليها.. إنما يؤدي دورًا إيجابيًا يؤدي إلى جعل «الطبقة» تحقق رؤيتها للعالم بشكل متجانس.. ويعمل على إنجاح المشروع السياسي والمجتمعي الخاص».
غير أن المفهوم العربي لـ»المثقف» كان يأتي انطلاقًا من مقولة جمال الدين الأفغاني التي ذهبت إلى أن «المثقف.. هو الإنسان المتعلم».. وطبعًا هذا يعكس النظرة التي ترى أن العربي كان يحتاج أولاً إلى «فك الحرف» في ذلك الزمان حتى يكون مثقفًا.. بمعنى أن يصبح قادرًا على القراءة والاطلاع.
أما في أيامنا هذه فإن أي إنسان يملك جهاز هاتف ذكي فإنه يستطيع أن يطلق على نفسه صفة «مثقف» فيما نرى أنه مجرد «مطلع.. ومتابع» لا تفوته صغيرة ولا كبيرة.. ما شاء الله عليه.
وفي حقيقة الأمر.. مهما تعددت الآراء والتعريفات.. فإن القول بـ«المثقف» يظل ملتبسًا وغير قابل للتحديد بشكل مطلق.. لأن جيلي والجيل أو الأجيال السابقة له.. كانت ترى أن صفة «المثقف» مرتبطة بالمعارف «الأدبية» من شعر ورواية وقصة ونقد ومسرح وغيرها.. وكانت تصنف كل من يتصدر لأي نوع من أنواع هذه الفنون.. هو «مثقف» خاصة في الفترة التي ارتبطت بمد ما سمي بـ«حركة التحرر العربي».. لأن تلك الفترة حوّلت كل أهل فنون الأدب إلى «مثقفين» بحكم نمو الوعي السياسي لديهم.. حيث يندر أن أديبًا غير ذي انتماء سياسي يحدد أهداف وتوجهات إنتاجه الفني والإبداعي.. وبالعودة إلى نقطة البداية.. نجد أن هذه «الفئة» من الناس هي - تحديدًا - من صنفتها الماركسية ضمن «الطبقة الرثة» وهي من كانت تعنيها حين تحدَّثت عن دورها «المناصر» للثورة.. وهي من أوضحت بشأنها حقيقة أنه «لا يمكن الاعتماد عليها للمشاركة في الثورة».. كما أننى أضعها نصب عيني وأنا أفسر دلالة قول سارتر عن المثقف: «إنسان يتدخل ويدس أنفه فيما لا يعنيه».
غير أن كل هذا أصبح من الماضي.. فعلى مدى أكثر من خمسين عامًا من الاستغلال والقمع وكل أشكال الحروب.. تبلور مجددًا مفهوم: «أين حقي؟» الذي كان يقول به الشاعر العراقي محمد صالح بحر العلوم في عشرينات القرن الماضي موجهًا للاستعمار وأدواته المحلية.. وأصبح هذا المفهوم يطال الحق في الحياة بكل أشكالها ومستلزماتها.. ولم يعد المثقف يدس أنفه فيما لا يعنيه بل أصبح كل ما يدس أنفه فيه ويعنيه أن ذلك الإنسان البسيط الذي انتزعت منه حقوقه وحرم منها سواء بالحرب أو التهجير أو القمع كما في سوريا والعراق الآن قد خرج فعلاً من دائرة الجهل وأصبحت مطالبه المشروعة تجعله يتفوق ويتجاوز ذلك المفهوم الفوقي الذي - عندما يشير إليه أهل الأدب - يسمحون لأنفسهم بالتشدق والقول إن الواحد منهم مثقف ثوري.. ويا سلام سلم.