عبدالحفيظ الشمري
«لا شأن لنا بالسياسة» هي من أكثر العبارات الاحترازية التي يتم تداولها في بعض المجتمعات.. تلك التي تتوارى خلف حجب وسواتر قلقة؛ لا سيما إن كان الحديث ذا صبغة مكاشفة، ورؤى جادة؛ تتسم بالجراءة، والتفاعل مع ما تفرزه القنوات الإعلامية، والطرح الإخباري بشكل يومي، بل على مدار الساعة.
من هنا قد يكون لدى الطرف الآخر من هذه المطارحات شيء من النفور، أو التنصّل، أو الهروب من المشاركة، بل ربما يذهب الأمر إلى إقفال الحديث، واعتقال رؤية المتحدث أو القائل، ووضعه في قفص الاتهام، وهو لم يقل بالأصل شيئاً مؤذياً، أو مخلاً بسياق النظام العام لا سامح الله.
فالسياسة بمفهومها العلمي، وسياقها الوظيفي، وتفاصيلها الحيوية هي جزء وركيزة من ركائز بناء الدول الحديثة، والمجتمعات المتحضرة، فهي تحفظ الكثير من القيم الإنسانية، وتقيم توازنات جمة بين الوطن وبلاد أخرى، بل هي التي تنظّم العلاقات، وتصيغ مفاهيم التعاون بين الأمم، حتى أصبحت السياسة فن الممكن، وعلماً يدرس، لتدخل فيه الدبلوماسية، وفنون التعامل الجيد، والعلاقات المثالية بين الدول.
إذاً السياسة بمفهومها العام حالة من العلاقات والمواثيق والاتفاقيات التي تحكم النظام العالمي الذي يتشكَّل من أكثر من 200 دولة تمثِّل العالم بأسره، وهي بلا شك حالة بناء ضرورية من أجل تحقيق منطلقات الساسة، والمشرعين لها.. أضف إلى ذلك أن مفهومها من حيث المبدأ هو عنصر تعاوني، وشراكة مناسبة، تحفظ لهذه الدول حقوقها، وتوطد العلاقات مع ما سواها من دول أخرى.
إلا أن ما يلاحظ على هذه العبارة «لا شأن لنا بالسياسة» أنها مَيَّعَتْ الكثير من المواقف، وأخفى التوجس منها الكثير من الرؤى الإنسانية المعبِّرة؛ ولنضرب مثالاً على ذلك، كحديث نحن حول الوطن، وضرورة الوقوف معه في السراء والضراء، والتضحية من أجله، والرد على من يسعى للنيل منه.
وحينما تتم المطالبة بمزيد من العطاء والبذل لهؤلاء الجنود، والضباط، والقادة، وتذليل الصعاب أمامهم، واحتواء أسرهم.. فهذا ليس أمراً سياسياً بحتاً إنما هو من قبيل الوفاء لهم، ومن أوجه البذل والعطاء نحوهم، ولو من خلال هذه المواقف المعنوية التي لا شك أنهم يحتاجون إليها.
وحينما تتخطاه إلى أمور إنسانية أخرى في الوطن العربي والإسلامي لا شك أنك ملزم بمشاعر ومواقف إنسانية نبيلة تجاه ما تشاهده عبر وسائل الإعلام المختلفة.. فالوقوف مع تطلعات الشعوب العربية والإسلامية لا شأن له بالسياسة أيضاً، إنما هو الضمير الإنساني، والمشاعر التي تتحدث بهذا الموقف الإنساني الواضح.. نعم لا شأن لنا في السياسة؛ لكن الجميع معني بالتفاعل الإنساني الراقي مع من حولنا.