عماد المديفر
علمياً وعملياً؛ توصف العلاقات بين الدول بأنها إما «تعاونٌ»، أو «صراع».. إذ لا منزلة بين المنزلتين! ولا مجال لـ»الفهلوة»! ففي حين أن مصطلح الـ»استقلال» للدول يشير إلى أنها «حرة» في تدبير شؤونها داخل أراضيها؛ فإنها في واقع الحال - وبحسب التفسير العلمي والعملي لمفهوم «الدولة المستقلة»- ليست كذلك خارج أراضيها وفي ما تتخذه من مواقف وقرارات تجاه الأوضاع الإقليمية والدولية! هذه حقيقة علمية سياسية ثابتة ومسلّمة.
وهو ما يطلق عليه علماء السياسة بـ»الاستقلال بصورته السلبية».. أي أن قرارات ومواقف دولة (ما) تجاه أوضاع أو أحداث (ما) على المسرح الدولي أو الإقليمي؛ ليس شأنها وحدها! بل هو بالضرورة مرتبطة بشكل مباشر بطبيعة وأنماط علاقاتها مع الدول المتشاركة بذات الشأن. والوضع يزداد ارتباطاً في حال كانت إحدى تلك الدول «حليف»، يرى أن هذا الحدث أو هذا الوضع، يؤثر بشكل أو بآخر على مصالحه الحيوية، ما يعني أنه ينعكس بطبيعة الحال على الدولة صاحبة القرار أو الموقف، أو من المفترض أن يكون كذلك.
ويطلق لقب «دولة حليفة» على تلك الدولة التي ليس فقط تراعي مصالح حليفتها، وتنسق معها في كل ما تتخذه من مواقف خارج أراضيها ذات صلة بالحليف، بل أيضاً تتعاون مع الحليف في تحقيق أهدافه والحفاظ على مصالحه الحيوية، فضلاً عن مصالحه العليا، وبالطبع فإن ذلك ليس لخاطر «عيون» الدولة الحليف! بل لأن في تحقيقها والحفاظ عليها، تحقيق لمصالح ذات الدولة، والعكس بالعكس.
نحن هنا نتناول أبجديات العلاقات الدولية، والسياسات الخارجية.. والتي تعد جميع التعاملات الدولية «تبادل مصالح»، وأن السياسة الخارجية ليست سوى إطار عام لكيفية التعامل مع البيئة الخارجية لتحقيق المصالح والأهداف من خلال تفعيل دور وسائل السياسة الخارجية، والتي تتضمن وسائل سياسية، واقتصادية، وإعلامية، وعسكرية، ووسائل الفضاء الإلكتروني الافتراضي Cyber Space.
وإن كان النهج «المثالي - Idealism» للسياسة الخارجية- والذي تمثله سياسة المملكة الخارجية كدولة وحيدة في العالم اليوم تنتهج هذه السياسة كونها منبع العروبة، ومهد الإسلام، وخادمة وحامية الحرمين الشريفين، وقلب العالم الإسلامي وقبلته والرافعة لراية الدعوة للوسطية والاعتدال والعدل والتضامن ونبذ العداوة والبغضاء والظلم، سياستها الخارجية قائمة على مبادئ العقيدة الإسلامية السمحة وثوابت التضامن العربي والإسلامي، وتأييد الشعوب العربية والإسلامية المظلومة، ومساعدتها والوقوف بجانبها ونصرتها بكل ما تستطيع - قائم على الأخلاق والقيم والسلوك المثالي كـ»المحبة» و»الأخوة» و»العطاء بلا حدود للحليف»، فإن مثل هذا النهج غير موجود اليوم في السياسة الخارجية لدول العالم جميعاً - باستثناء المملكة- هذه الدول التي تعتمد على النظرة البراغماتية الجافة الخالية من العواطف والأخلاقيات، وهو ما يجعلنا نردد بأنه وللاستمرار في النهج «المثالي»، نحتاج أن نتعامل مع العديد من المواقف والعلاقات بنظرة «واقعية Political Realism»، بل وعملانية براغماتية صرفة، ليستشعر الطرف «الحليف» أو غيره؛ بأن نهج المملكة ونظرتها «المثالية» ليست على حساب مصالحها المثالية أيضاً.. ما يجعلها تتعامل ببرغماتية هي الأخرى.. لتنعكس تفاعلاتها على المسرح الدولي بشكل مباشر على ما يتخذه هذا «الحليف» أو ذاك، من قرارات، ولتمس مصالحه الحيوية، بنفس الدرجة التي نتأثر بها. فيعيد حساباته، مستشعراً الثقل الحقيقي الذي نحمله، بكل ما نملكه من وسائل متنوعة لتنفيذ سياساتنا الخارجية، وليزن مواقفه وفق الأوزان المستحقة العادلة، بلا ميل ولا تطفيف.
وليعلم هذا «الحليف» أو ذاك بأن مسألة مغامرته بإثارة نزاع (ما)، أو عدم توافق (متعمد) لموقف هنا أو سياسات هناك، أو تحريك إعلامي سلبي بشكل أو بآخر، بهدف تحقيق ما يظنه نوعا من الضغط لتحسين طلب (ما)، فإنه سينعكس سلباً وبشكل مباشر على طبيعة العلاقات، وأنه مهما تغنى بالسيادة والاستقلال، فإنه لا توجد في عالم اليوم دولة ذات سيادة واستقلال كامل مطلق، فالدول حين تدخل في منظمات أو شراكات وأحلاف، فإنها تلتزم بمصالح هذه المنظمات، وتلك الأحلاف. وأن «طبيعة العلاقات بين الدول إما تعاون أو صراع». إلى اللقاء..