علي عبدالله المفضي
ما أروع القصيدة التي لا تعترف بحيطة شاعرها من الوقوع في التلقائية والصدق مع النفس والتجلي والكتابة بمداد القلب، فالقصيدة بلا جموح هي حالة فاشلة من حالات النظم الخالي من الروح والشعر والاعتماد فقط على الكتابة بوعي كامل يتقدم فيه العقل والمعرفة البحتة بقواعد كتابة شيء لا علاقة له بالشعر وإن التزم بالوزن والقافية.
ولو قُدّر لنا أن نطّلع على أوراق الشعراء الخاصة ومسودات قصائدهم لرأينا العجب حيث الكتابة بلا تحفظ أو قيود أو اعتبار لأي شيء سوى الاستسلام للقصيدة لتتشكَّل كيفما أرادت حيث يُنحّي الشعر الحقيقي سلطة الناقد - العقل - أثناء الكتابة لئلا يؤثر على مسار التّداعي والمشي بنصف وعي خلف الشعور التلقائي، فحالة الإبداع كالظباء كما قال الشاعر:
رَوّعوه فتولَّى مغضِبا
أَعلِمتم كيف ترتاعُ الظِّبا
خُلِقت لاهِيةً ناعمة
رُبَّما رَوَّعها مرُّ الصَّبا
وهكذا القصيدة خلال كتابتها، ومما أذكر أن أحد الأصدقاء عندما نشرت إحدى القصائد هاتفني مبدياً استغرابه أنني كنت تلقائياً كتبت ما يعتمل بنفسي، فشكرته أن طمأنني أنني كنت كذلك، وكان ردي عليه بتلقائية أيضاً من خلال قصيدة تصف غبطتي بتوافق ما كتبت مع ما في نفسي:
آه.. يا طيب القصيدة كلما عرتني
لبستني ثوب ستر.. وطهرت وجداني
وكشفت لي عن خفايا النفس لا زارتني
لين وافق ما بروحي ما يقول لساني
وباحت بسري وكل علومها سرتني
وشرعت باب الحشا واستدرجت كتماني
واودعتني سرها ولخدرها جرتني
واسقت الذاوي من عروق الغلا والحاني
وعن هبايب كل عابر بالنظر ذرتني
وارتقت بي للنجوم وسطرت عنواني
وعن هوى زيف العيون بطرفها فرتني
وحضنها عن كل حضنٍ باردٍ ذراني
وبالثمين من الجنون من العقل برتني
لين صار الغيث حبري والفضا ميداني
وطرت ما كن المعاني قبلها مرتني
وانقسمت اثنين كلٍ ما يعرف الثاني
غيرتني.. وارتقت بي.. بس ما غرتني
عن غروري فعلها شد النظر واغراني
عن صواب غيابها غاب العنا وابرتني
من مضارب غيرها واطفت لظى نيراني
ونبهت كل المشاعر (وجد) ما دارتني
وسحرها عن كثرة السايد صحى واغناني
من يقول ان القصيدة لا لفت عرتني.؟؟
كنت عاري لين لمس احساسها وجداني