واشنطن - عبدالمحسن المطيري:
يعيد فيلم «Manchester by the Sea» السينما الأمريكية لفترة التوهج والعصر الذهبي للسينما المستقلة في التسعينات وبداية الألفية، الفيلم يستعرض قصة تراجيدية لرجل يعيش بين ماضي مؤلم، وحاضر مربك، ومستقبل مظلم، يقدم لنا واحداً من أفضل نصوص السينما الأمريكية في السنوات الأخيرة التي تعتني ببناء الشخصية.
يستعرض الفيلم قصة «لي» وهو متزوج من سيدة وله خمسة أطفال، يكتشف يوماً أن عليه أن يعتني بأخيه المريض، قبل أن نتعرض على أحداث لاحقة ستجعل من حياته جحيماً لا يطاق. يستمر الفيلم بالدهشة خصوصاً مع التلاعب الزمني في النص، والفلاش باك بين الماضي والحاضر لنتعرف أكثر عن حياة «لي» المعقدة مع زوجته، قبل أن ينتقل لمدينة بوسطن للعمل، ثم يعود لرعاية أخيه، وبعد ذلك ابن أخيه.
المونتاج مع الكتابة العصرية السلسلة والمتميزة جلبت لنا واحداً من أكثر الأفلام الأمريكية نضجاً في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى السيناريو المدهش، نشاهد الفيلم بإخراج جديد كلياً من ناحية التعامل مع الحوارات، فنجد أن المخرج تعمد أن تكون الحوارات واقعية لدرجة أن هناك حوارات لعدة ممثلين في نفس المشهد وفي نفس الوقت، في سابقة نادرة في السينما الأمريكية الحديثة، علاوة على الفيلم نجده منفرداً في قوة الأداءات التي كانت الأفضل هذا العام بلا منافس يذكر خصوصاً لفئة أفضل ممثل رئيسي مع الممثل الصاعد والمتجدد والفريد من نوعه في هذا الفيلم كيسي آفليك، والذي قدم أفضل أدواره على الإطلاق، وبهذا الدور ينضم لقائمة الممثلين الشباب العمالقة الذين لم يحصوا على أوسكارهم بعد مثل راين غلوسينج، واكين فينيكس.
فدوره هنا معقد، متناقض، يعتمد على العامل النفسي والصدمة، وقدم كل ذلك بشكل واقعي، مذهل يجلعنا نؤمن بأنه ضمن أوسكاره الأول المستحق أخيراً. مع الرائعة ميشيل وليامز التي يبدو أنها ستنافس على جائزة أفضل ممثلة مساعدة بأداء نسوي، تقليدي، مؤثر، مولودرامي.
لا بد من الإشارة أنه على الرغم من ضعف الفيلم من جوانب عدة مثل التصوير، والموسيقى، إلا أنه يقدم نفسه كأفضل أفلام العام التي أعادت هيبة السينما الأمريكية المستقلة المفقودة منذ سنوات. بالإضافة إلى عبقرية النص، نجد أن المخرج اختار الممثلين المناسبين للشخصيات، كذلك اختيار المواقع للتصوير كان موفقاً، بالإضافة إلى جمالية العناصر السينمائية الأخرى في الفيلم كالإضاءة، المونتاج، وحتى تحرير الصوت. فيلم مؤثّر، شاعري، تراجيدي وحزين في الكثير من لحظاته، ولكن هذا لا يعني أنه لن يعجب الكثير، فهو بدرجة عالية من الإتقان والإدهاش في التنفيذ، التمثيل، الكتابة، تجعلك تعيش مع الأحداث لحظة بلحظة، تتفاعل مع الشخصيات، وتصنفه بلا شك من أفضل أفلام العام إن لم يكن أفضلها حتى اللحظة.