د. عبد الله المعيلي
يقال: فلان جدار قصير، أي لا قيمة له ولا اعتبار، الكل يحتقره، ولا يأبه له، ولا يحترمه، ويقفز عليه ويتطاول، إنها حال تصدق اليوم على واقع أهل السنة والجماعة، بالرغم من أنهم هامة سامقة عالية الشأن والمقام، عبر تاريخهم المجيد المشرق بالعطاء والثبات على الحق والسنة، هم المتمسكون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الناهلون من معينها العذب في معرفة شرع الله وتوحيده وتطبيقه في العبادات والمعاملات والعلاقات، الملتزمون بالثابت من سنته، المستنيرون بهدية، ومن تبعه من الصحابة الكرام والتابعين الأجلاء.
مواقفهم معروفة في حفظ السنة من البدع والخرافات التي أفسدت على الناس إيمانهم وتوحيدهم لخالقهم سبحانه وتعالى، إلى درجة أن الدهماء من الشيعة استمرأت تأليه علي رضي الله عنه، وعدوه ربهم الذي يقضي بينهم يوم القيامة، وألفوا ممارسة أعمال شركية لا يتقبلها ضعاف العقول فضلاً عن العقلاء.
وقف أهل السنة الحقة سدًا منيعًا ضد هذاءات الشيعة ورواياتهم البكائية المصنوعة الكاذبة في حب آل البيت، وقفوا سدًا منيعًا ضد رقصات الصوفية التي يمارسونها في بيوت الله وفي خلواتهم، حرروا الناس من سرقة ملالي الشيعة للأموال باسم الخمس، واستعباد واستحلال حرماتهم وأعراضهم تحت ما يسمونه (المتعة)، حرروا الناس من طقوس الصوفية وتقبيل مؤخرات رموز ضلالهم وأيديهم مقابل أموال تدفع لهم مع كل تقبيلة.
أهل السنة الحقة لم يرضوا بهذه الخزعبلات وحاربوها، متسلحين بقوتهم الناعمة الهادئة، حاربوا ضلال الشيعة والصوفية وعموم الخوارج بالحجج الدامغة، والبراهين المفحمة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، سلاحهم الصارم البتار المستند إلى قال الله تعالى مهتدين بالآيات المحكمة في القرآن الكريم المحفوظ بحفظ الله من التلاعب، وإلى الصحيح من الحديث النبوي الشريف.
هذان المصدران لا يعرف المعممون الشيعة عنهما شيئًا، إنهم لا يستطيعون قراءة آية من آيات القرآن الكريم المحكمة فضلاً عن المتشابه منها، فما بالك بالاستشهاد بها إلا وفق أفهامهم الحول التي يلوون فيها دلالات الآيات الصريحة إلى ما يعتقدونه في آل البيت، بينما جلّ أهل السنة يتلون القرآن والبعض يحفظه كاملاً، انظروا إلى أئمة الحرمين الشريفين كيف يتلون القرآن كاملاً عن ظهر غيب مجود مرتل، انظروا إلى مدارس تحفيظ القرآن تخرج شبابًا يحفظ القرآن حفظًا مجودًا لا لحن فيه بأصوات خاشعة.
أهل السنة سخروا كل جهودهم في سبيل توحيد الله وإخلاص العبادة له وحده سبحانه، فلا إله غيره، فأركان الإيمان عندهم هي ما أخبر به جبريل النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره)، عدا هذه الأركان الستة مرفوض عند أهل السنة والجماعة، فقد سخروا كل جهودهم وتأليفهم في ترسيخ هذا الإيمان، والتحذير مما سواه من البدع المصنوعة والبكائيات الكاذبة.
عن ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قلنا: من قلة بنا يومئذ؟ قال: لا، أنتم يومئذ كثير، لكنكم غثاء كغثاء السيل، ينزع الله المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت».
اهي نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيشها اليوم حقيقة مرة، أهل السنة أغلبية كثر في عدد أفرادهم وعلمائهم وتعدد مؤسساتهم، لكن صوتهم خافت مشتت ضعيف، جعل فئة قليلة تجرؤ على استبعادهم من مظلة السنة والجماعة التي هم عمادها وقطب الرحى فيها.