لا شك أن امتلاك القدرة على المبادرة، وحل المشكلات من جذورها، واتخاذ القرارات الحاسمة، لهو أفضل بالتأكيد من الانتظار والتأجيل والحلول المؤقتة. ولا شك أن برنامج التحول الوطني 2020 الذي يهدف إلى فك الارتباط بالنفط كمورد رئيسي للدخل، والتحوُّل إلى اقتصاد أكثر دينامكية، يعتمد على التنوع والاستغلال الأمثل لثروات المملكة الطبيعية والجغرافية والبشرية؛ لتحقيق رؤية المملكة 2030، إنما يعكس عزم القيادة على المواجهة، واستئصال العقبات التي تعوق التنمية من جذورها، وهو الخيار الصعب الذي يحتاج إلى قرارات لا تحتمل التأجيل، ولا تنطوي على حسابات أو توازنات إلا مصلحة الوطن والمواطن؛ فالمملكة اليوم تخوض معركة بناء الدولة الحديثة بكل مكونات الحداثة من علم ومعرفة وتطور، وهي مرحلة تتطلب تلاحم وتكاتف جميع فئات المجتمع، وتفهمه لطبيعتها. ولعل القرارات التي تعاقبت منذ إعلان البرنامج، التي تمثل آليات إصلاح البنية التشريعية، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة؛ لتصبح أكثر مرونة وفعالية للقيام بدورها في تسريع مسارات التنمية، وتعظيم الموارد المالية، وتفعيل الرقابة والمتابعة، والتأسيس لعهد من النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، وفتح الآفاق للشراكة مع القطاع الخاص.. تلك القرارات وغيرها التي من المتوقع أن ترى النور خلال الفترة القادمة تحتاج إلى خلق وعي مجتمعي بأهميتها. ففي اعتقادي، إن نجاح برنامج التحوُّل الوطني يعتمد في الأساس على وعي المجتمع، ومدى استيعابه لطبيعة مرحلة التحول، بل مدى قدرته على المشاركة في أحداثه؛ فجميع التجارب التي مرت بها دول سبقتنا في مضمار التنمية أكدت أن وضوح رؤية وأهداف البرامج التنموية الشاملة يولد لدى المجتمع وعيًا وقناعة بأنها تصب في صالحه، وأنه هو من سيجني والأجيال المتعاقبة ثمار نجاحها. وإذا كانت دول تفتقر إلى ما أنعم الله به علينا من ثروات قد سبقتنا في توقيت الانطلاق واتخاذ القرار فمن الأجدر بنا أن نسرع الخطى، وأن نسابق الزمن؛ لنلحق بمصاف هذه الدول؛ فماليزيا في عهد مهاتير محمد ليست هي ماليزيا التي عُرفت قبلها؛ إذ قاد الرجل برنامجًا للتنمية الشاملة؛ فبجانب اهتمامه بالتعليم والبحث العلمي وتطوير مهارات الموارد البشرية الماليزية شجع الصناعات ذات التقنية العالية؛ فأنشأ أكثر من 15 ألف مشروع صناعي، أثمرت مليونَي وظيفة، إلى جانب أنها ساهمت في توطين التقنية، وجعلت من ماليزيا دولة مصدرة للصناات ذات التقنية الحديثة، بعد أن كانت تصدر المواد الخام فقط كالمطاط. وبفضل هذا التوجُّه ارتفعت صادرات ماليزيا من أقل من خمسة مليارات دولار عام 1980م إلى 100 مليار دولار عام 2002م.
كما توسع في برامج الخصخصة بتحويل ملكية المشروعات العامة إلى الأفراد والقطاع الخاص الوطني، وشهدت ماليزيا طفرة في مشروعات الاتصالات والمعلومات كأحد عناصر خطتها التنموية للتحول إلى الاقتصاد المعرفي؛ وهو ما أوجد حالة من الرواج، أسهمت في تحسين العديد من المؤشرات الاقتصادية للدولة، كذلك فعل «لي كوان يو» مؤسس سنغافورة الحديثة وقائد التنمية الاقتصادية في بلاده، الذي تمكَّن من تحويل هذه الجزيرة النائية التي كانت تعاني الفقر إلى أهم مركز تجاري ومالي، وأنشط ميناء بحري ومركز رئيسي للصناعات التحويلية والخدمات، وثالث أكبر موقع لتكرير النفط في العالم؛ ليقفز الناتج المحلي الإجمالي لسنغافورة إلى 300 مليار دولار، وليصل متوسط دخل الفرد إلى 64 ألف دولار كثالث أعلى متوسط دخل فرد في العالم. ولعل تلك النماذج وغيرها لم تكن لتصبح واقعًا لولا وعي مجتمعات تلك الدول وقدرتها على استيعاب آليات وتبعات برامج التحول والمشاركة فيها. إن توعية المجتمع بأهمية وأهداف برنامج التحول الوطني 2020 لتحقيق رؤية المملكة 2030 لهو واجب وطني، ودور يجب أن يقوم به أصحاب الفكر والرأي والمنابر الإعلامية في هذا الوطن؛ فنحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تكاتف كل فئات المجتمع، والمشاركة - كلٌّ في موقعه - بالجهد والعمل وزيادة الإنتاج من أجل العبور إلى مستقبل مشرق لنا وللأجيال القادمة بإذن الله.
علي العثيم - عضو مجلس إدارة غرفة الرياض - رئيس اللجنة الوطنية لشباب الأعمال