مزاجنا الأول لم يعد مرتبطًا بالفكرة الأولى بعد الاستيقاظ من النوم التي روّج لها علماء النفس، بل أصبح مرتبطًا بهواتفنا!
الرسائل التي نتلقاها ممن نعرفهم وممن لا نعرفهم عبر برامج التواصل الاجتماعية هي من يحدد شكل اليوم الذي سنعيشه.
كان من الشيّق أن يحمل هاتفي اسمًا أمضيتُ مدةً لم أسمع منه أو عنه. مضمون الرسالة لم يمت لي بصلة، لكنني استجبت للمضمون على أية حال!
الانخراط في العمل، ثاني خرافة ابتدعها علماء النفس؛ حاولتُ كثيرًا تجاوز أفكاري، وفي كل مرة أبالغ بتجاهلي لها كانت كمن يدكُّ قدمًا ثابتة على أرضٍ ضامرة!
أصوات الطالبات تأتيني بذات السؤال: معلمة، متى الاختبار؟ وأجيب بنفس النغمة؛ نغمة افتح يا سمسم أبوابك!
أبلغ مكتبي، أصفقُ بابه ورائي وأتنهد، أحسُّ بالأذى في قلبي، تأتيني الدقيقة بدهر.
أنظرُ عبر النافذة، الشمس تتوهج، يتسلل ضياؤها عبر الزجاج.
وفي داخلي كان قد هبط ليلٌ أليلُ، اختلطت حقيقتي بسواده، ساعدني دُجنُ ذلك الليل المجازي لأخفي أهم ما كان لزامًا على الآخرين أن يعرفوه عني!
أنا التي عاشت سنونًا خبأت فيها سرًا حين توسط قرص الشمس السماء؛ حتى تُلبسه حُلل البين؛ وحدها تراه وتطويه في كبدها عن مرأى الباقين!
أتساءل عن كم الأمان في هذا العالم؛ رغبة الآخرين في البقاء معنا أو رغبتهم في بقائنا معهم!
الأمان، الإحساس الوحيد القادر على انتشالنا من عزلتنا المُتَعمَّدة.. الدافع للعطاء.
الأمان أن تتوهج الروح وترفرف كطيور الحرم! أن ترسى سفينة في مينائها الأخير، دون القلق بشأن معركتها القادمة مع رياح البحر الموسمية!
ذلك النهار مزّق بأنيابه أشرعة رجاءاتي بالسكينة! أدركتُ خلاله أن أمواجي لازالت تتوق لمعانقة الرياح!
تقطع طالبتي حبل أفكاري قائلة: أفتقد أمي في كل ليلة، وأكره في فقدها أنني أتداعي في كل مرة أحاول أن أبدو بخير!
غادرت مكتبي تُسابق عبراتها، وصفقت الباب وراءها، الباب حمّال مآسينا، هه!
الفقد، رفيق البقع الظلماء، يُميتُ فؤادًا ولا يقيم له جنازةً! كأن شيئًا لم يكن!
يمضي في تبليغ رسالته إلينا، تحو عنوان لا أحد يكترث ليبقى. يهدر عواطفنا في سبيل استقراره بدواخلنا! ينزع ما هو مثنيًا في الكبد ويكتبه على العين.. حتى يشعر الواحد منا أنه قادر على أن يتقيأ حياةً بأكملها لمجرد النظر في المرآة!
خرجتُ من مكتبي وتركتُ بابه مشرعًا على مصراعيه، أتاني صوت رانيا طالبتي: معلمة، كيف حالكِ؟
رنوتُ في ملامحها برهة ثم ابتسمتُ، سؤالها هو رسالة الصباح المفقودة، عدتُ إلى مكتبي وأغلقتُ بابه بمهل.
- هياء الزومان
hayaalzouman@