يروى أن أحمد بن أبي الحواري: دخل على أبي سليمان وهو يبكي،فقال له: ما يُبكيك؟ قال: لئن طالبني بذنوبي لأطالبنه بعفوه،ولئن طالبني ببخلي لأطالبنه بجوده، ولئن أدخلني النار لأخبرنَّ أهل النار أني كنتُ أحبّه.
إن حسن الظن بالله عبادة قلبية صِرفة تعني توقع الجميل من الله برجاء ما عنده بطاعته وترك معصيته.
«فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ» ظننا بك خيرا ياكريم؛ فعلى قدر الإحسان من المخلوق يكون الإنعام من الخالق؛ففي الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن شرا فله»
وإحسان الظن بالله مواطنه أكثر مما تحصر وأكبر من أن تُقيد وتعد، ولعل جماع ذلك كله يتجلى في الدعاء الذي هو مخ العبادة، ففي الحديث: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة».
والشاعر محمد الحِمْيَري يقول - على البحر الطويل -:
وإني لأدعو الله حتى كأنني = أرى بجميل الظن ما الله فاعلهُ
وثمة فرق بين الظن بالله بيقين وبين الظن به بالتجريب والتشكيك، فتعالى الله أن يكون الظن به تجريبًا لا يقينًا .. وثمّ بون شاسع بين الظن والغرور، فالغرور بالعمل تواكل والظن باليقين توكل؛ فالأول يجر إلى العمل الطالح وإغراق النفس بالشهوات..والثاني يحمل على العمل الصالح وإشباع النفس بالطاعات.
إن الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في معركة تبوك ضاقت عليهم الأرض بما رحبت جزاء ماجثم على صدورهم من الهم إبان تخلفهم، فكان خلاصهم من ضيقهم باتجاهم إلى حسن ظنهم بباريهم، فجاءت الآية « وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى? إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ? إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ »
ومما لا يخفى في فقه اللغة أن الأشياء بضدها تتميز وتستبين مرامها.. ويجيء الظن كثيرا في كتاب الله بمعنى اليقين وبمعنى الاعتقاد الجازم –كالآية السابقة- وكقوله تعالى: « الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ »، وغير هاتيك الشواهد تترى لمن تتبع الآي ووعى، ويتفاوت الظن بحسب سياق الآية ومساقها عند أرباب البلاغة والتفسير والتدبر.
فاصلة عُظمى:
«وَظَنَّ أَنَّهُ الفِرَاقُ»
«أنا العبدُ المقرُ بكل ذنبٍ
وأنتَ السيدُ المولى الغفورُ
فإن عذبتني فبسوءِ فعلي
وإن تغفر فأنتَ به جديرُ
أفرُ إليكَ منكَ وأينَ إلّا
إليكَ يفرُّ منكَ المستجيرُ»
- تهاني العيدي
1437/12/9هـ
الرياض الضاجرة !