عندما نتحدث عن فلسفة الدين فنحن إزاء الحديث عن التأويل باعتبار التأويل هو المنهج الأساس الذي يتماس مع النص المقدس في جميع الأديان، وبالخصوص حينما نهتم بفلسفة الدين في القرن العشرين فإن المنهجية التي اهتمت بها فلسفة الدين هي منهج الهرمينوطيقا لفهم النص الديني، أو لفهم الفهم ، فالتأويل صار يهتم بفهم الفهم أكثر من اهتمامه بالفهم الكلاسيكي كما في التفسير والشرح.
و فسلفة الدين في الفكر العربي المعاصر اهتمت اهتمام ظاهر بالتأويل؛ وسواء أكان التأويل بالاعتماد على التأويلية القديمة عند فلاسفة الإسلام أم بالهرمينوطيقا المعاصرة ؛ وسواء أكان ترجمةً لنصوص فلاسفة التأويل كهايدغر وغادامير وبول ريكور وغيرهم أم إعادة قراءة لنتاجهم الهرمينوطيقي، فالتأويل هو المنهج الفلسفي الحديث للتعامل مع النص الديني المقدس في كل الأديان ؛ بل إنه أخذ حظه من التوسع ليشمل جميع النصوص المقدسة و غير المقدسة ليضحي هو المنهج الفلسفي الأساس الذي تفرعت عنه الكثير من المناهج في القرن العشرين.
ولعلنا ونحن نهتم بفلسفة الدين في الفكر العربي المعاصر نستحضر العديد من الأسماء الفكرية العربية التي اهتمت بالتأويل كمنهج فلسفي للتعامل مع النص الديني منذ نصر أبو زيد و مشروعه التأويلي الذي انطلق به من المعتزلة حتى تجاوزهم مع النظريات الهرمينوطيقية المعاصرة ، وحتى العديد من الأسماء المعاصرة تمثيلًا لا حصرًا ، كعبد الجبار الرفاعي ، ومحمد محجوب ، ورضوان السيد ، وفتحي المسكيني ، يوسف الصدّيق ، ويونس قنديل ، ومحمد شحرور وغيرهم ، وقد تفرعت أعمال هؤلاء المفكرين إلى عدة مشاريع مؤسساتية تهتم بشكل مباشر بالتأويل منها:
مجلة التأويل التي يصدرها مركز الدراسات القرآنية بالمغرب ؛ وصدر منها ثلاثة أعداد ؛ اهتمت بالتأويل عمومًا وبالتأويل وعلاقته بمقاصد الشريعة خصوصًا ؛ وصدرت أعدادها الثلاثة تحت العناوين التالية: القرآن الكريم والتأويل ، التأويل وبناء الأنساق المعرفية ، التأويل ورؤى العالم. وجاءت تحت هذه الأعداد العديد من البحوث المحكمة منها: التأويل وآفاق المعرفة القرآنية، د. محمد المنتار ، مقاصد الشريعة وإمكاناتها التأويلية، للدكتور معتز الخطيب ، التأويلية العربية: الانتقالات ـ الإبدلات ـ الأنساق، للدكتور محمد مريني ، «التأويلية القرآنية: الإشكالات المنهجية (حصيلة أولية)»، للدكتور عبد الله السيد ولد اباه ، «كلام الله وتعدد المعنى (توماس باور)» للدكتور رضوان السيد.
وأيضًا لا يمكننا أن نتجاوز مشروع عبدالجبار الرفاعي المؤسسي (مركز دراسات فلسفة الدين) الذي أصدر العديد من الكتب المهتمة بفلسفة الدين تحت عنوان موسوعة فلسفة الدين ؛ وكذلك مجلة المركز التي يصدرها تحت عنوان (قضايا إسلامية معاصرة). ومن عناوين كتب موسوعة فلسفة الدين: تمهيد لدراسة فلسفة الدين، الإيمان والتجربة الدينية، علم الكلام الجديد، المعرفة الدينية ، لغة الدين ، التعددية الدينية وغيرها من الكتب التي بلغت عشرة كتب تقريبًا ، واهتمت مجلة قضايا إسلامية معاصرة بالتأويل على وجه الخصوص في أربعة أعداد صدرت تحت عنوان (الهرمنيوطيقا والمناهج الحديثة في تفسير النصوص الدينية) ، وضمّت العديد من الأبحاث المهمة في فلسفة الدين بعضها مترجم مثل: قوة الدين في المجال العام لهابرماس ، دفاع عن التجربة الدينية لشلايرماخر ، نظرية القراءة النبوية للعالم لمحمد مجتهد شبستري ، النص المقدس في ضوء العصر الهرمنيوطيقي للعقل لأحمد فرحان ، مدخل إلى مقاربة إسلامية حديثة للتوحيد لعبدالمجيد الشرفي ، عن القرآن و فعل القراءة وإنتاج الدلالة لعلي مبروك ، عن جوهر الدين شلايرماخر وغيرها من البحوث المهمة جدًا في باب فلسفة الدين.
- صالح بن سالم
_ssaleh_@