نادية السالمي
لطالما سقطت المنابر الزاعمة أهميتها وقدرتها في صون الحرية في شتى بقاع المعمورة، وسقطت في معيّتها النسخ الإنسانية المزورة، ما دعى أصحاب الحق للذود عن حقهم في الحياة، والدفاع عن قضيتهم بسلاح «الصورة» التي تسجن داخلها لحظة الهلع، والحاجة والعوز.
الصورة المؤرِّخ الوحيد الممسك بتلابيب الصدق، في زمن خيانة الصورة، وهروب الإطار من الاحتمالات الواردة!.
الصورة هي أقوى أسلحة الضعيف من خلالها يأمل أن يستيقظ ضمير، فينطق بما يكفي لإنهاء مآسي هذا العالم التي ما تلبث أن تنتهي حتى تبدأ من جديد، ورغم كل الآمال المتعلقة على كتف الصورة، وكل الأماني المنوط بها بلاغها للعالم، نقرأ عن تذمر البعض من نشر الصور المأساوية للأطفال والجرحى في الأماكن المنكوبة بالحرب والأنانية، وتذمرهم يحمل الحق في كل أوجهه ففيها من الوجع ما يهد أركان التجلّد وفيها من الفقر والحاجة ما يُسيّل للصخر أدمعًا تظل جارية باسم من قُهروا وعلى أمرهم غُلبوا. ولكن المطالبة بعدم نشرها وترويجها فيه قسوة على هؤلاء الموجوعين تزيد من معاناتهم، وتعرقل سبل خلاصهم.
وحيث إنّ الصورة آخر السلاح لهؤلاء، وأملهم الذي يعلقون عليه السلام، علينا أن لا نمنعهم حقهم في الحياة والمقاومة، وعلينا الترويج لها لعل ما فيها يفك ارتباط البشر بالوحشية وتورطهم بالبعد عن الإنسانية بعد أن تعذر الحل، وافتقد المعين .. لا حل للمآسي إلا عن طريق نشر صورها والحديث عنها _ هذه الحقيقة _ فكيف نطالبهم بوقفها خوفًا من تلوث قد يعكر صفو أنفسنا وسلامة أعيننا؟! من منا أمام ما يلقى من وجع عليه أن يضحي نحن أم هم؟
الصورة الموجعة رسالة علينا أن نقرأها ونحلل مضامينها، وإن بارزتنا بكل ألم وتعذّر الدواء، علينا أن نتعلم «العمى الاختياري» إذا تطلب الأمر لا أن نطالب بحجبها!
وذاكرة العالم تحتفظ بصور لها قيمتها الإنسانية والوطنية، كصورة الشاب الصيني الذي وقف أثناء احتجاجات الطلاب في ساحة تينامين أمام صف من الدبابات عام 1989 مانعًا إياها من التقدم. وصورة سحاب الفطر الدخانية التي علت سماء مدينتي هيروشيما وناجازاكي بعد إلقاء المتفجرات النووية عام 1945، وصورة الجندي الروسي الذي عزف على البيانو الملقى في غابات الشيشان عام 1994، وصورة الطفلين إيلان وعمران التي أبكت العالم وأطلعته على حقيقة وحشيته ونقلتها وكالات الأنباء وصحف مختلفة ومن بينها صحف إسرائيلية، وأيضاً صورة «كيم فوك» الطفلة الفيتنامية عام 1972 وهي تركض عارية في الشارع بعد أن أحرقت النيران جسدها، وكانت من أسباب إنهاء الحرب الأمريكية على فيتنام.
وإلى أن يعرف البشر أنّ الانصياع للوحشية أهدر الحياة والإنسانية فضلاً مع الموجوع لا تكن فوق عجزك عن مساعدته أنانيًا فالزمن زمن الصورة، وما من ذنب له إلا أنّ لقطته كانت حزينة ومؤلمة، وبالصدفة كنت أنت المشاهد الحنون على نفسه والمتناسي لمواجع غيره.