د. فهد بن علي العليان
وطأت قدما صاحبكم أرض أثينز / أوهايو بدعوة من الصديق الصدوق (عبدالله الموسى) في رحلة استكشافية تمهيدا للقدوم من أجل الدراسة، ثم ما لبث أن عاد إليها يجرجر آمالا ويرجو نجاحا. التقى خلالها بوجوه يعهد بعضها، وبعضها بدأ يأنس بها ومعها حين تقابلت النفوس والتقت الأرواح وهي جنود مجندة.
كان عبدالله المعيقل يشد انتباهه بحديثه العفوي وضجيجه الهادئ ممازحا زميلا ومتحدثا إلى آخر، وحينها بدأ يأنس صاحبكم بحديثه ويتلذذ بأطروحاته عن تعلم اللغة ثم عن نظريات التعلم قديمها وحديثها حتى وصل الأمر إلى معرفة أسلوبه في الجري خلف الكرة عصر الجمعة ليضعها له في المكان الذي يرغبه لينتهي بتسجيل هدف في المرمى، ثم يرمى (المعيقل) خلف ظهره كل جماليات وذكريات أثينز ليعود - بعد وداعه - إلى الرياض حيث الجامعة التي جمعتنا سويا، ليرأس قسم التربية بعد إن انضم إليه صاحبكم مرؤوسا بتدبيره - مشكورا- يأتمر بأمره، وينصرف إلى القاعات التي أومأ إليها قلمه.
حقا، لا أعرف أن أصف لكم شعوري ومشاعري حين قرأت عباراته وهو يخبرنا - في مجموعة الأصدقاء الجميلة - عن عزمه على التقاعد المبكر والنزول عن مقود السفينة التي يقودها بكل اقتدار. لا تلوموني حين كتبت «قلبي يخفق ، أخشى أن ينفرط العقد»، ولا تلوموا الوفي د. عبدالمحسن العقيلي حين كتب: «أنت قيمة وقامة خلقا وفضلا وفكرا وإدارة، أدام الله عزك وبقاءك ووفقك». ولم أكن مبالغا حين عقبت قائلا: « لن يستطيع الفوارس أن يمتطوا صهوة جواده»؛ حيث الدقة في العمل والإنجاز للمهمة والتقدير للمهنة.
أبا محمد: إن كنت غادرت باختيارك ورضاك، فيكفيك اختيارك هنا وهناك، ثم يكفيك رضاك عن نفسك ونفسك الراضية. رحلت وأنت محل الثناء والتقدير في كل مواقعك وأنا على ذلك من الشاهدين فيما رأيته من قبل، وسمعته هذه الأيام.
هنيئا لك الإرادة، وعزاء للإدارة التي ستفتقدك، ألم يقل صاحبنا د. عبدالمحسن العقيلي: «عن جد وبكل صدق وأمانة خسارة العقول لا تعوض ، لذلك لا أنسى عبارة قرأتها في تقرير لليونسكو تدعو إلى المحافظة على العقول النيرة وليس هجرتها وخسارتها
Brain retain not brain drain»
هي ليست لحظة وداع ، بل موعد وعادة، والجميل فيها أن صاحبها وصاحبنا أقدم عليها وهو في ذروة العطاء وقمة الجبل، وما أظن إلا العطاء باقيا، ولا سفح للجبل.
أبا محمد، اخترت الهدوء وقررت الرحيل، لكنني أصدقك القول - في ظني الغالب - إنها لم تنته الرحلة.
(المعيقل عقل)..